احتجّوا (١) : بأنّ الأمر طلب لإيجاد الفعل ، والنّهي طلب لعدمه ، فالجمع بينهما في أمر واحد ممتنع ، وتعدّد الجهة غير مجد مع اتّحاد المتعلّق ، إذ الامتناع إنّما نشأ من لزوم اجتماع المتنافيين في شيء واحد ، وذلك لا يندفع إلّا بتعدّد المتعلّق ، بحيث يعدّ في الواقع أمرين ، هذا مأمور به ، وذلك منهيّ عنه ، ومن البيّن أنّ التعدّد في الجهة لا يقتضي ذلك (٢) ، والكون الحاصل في الصّلاة في الدّار المغصوبة شيء واحد ويمتنع أن يكون مأمورا به ومنهيّا عنه ، فتعيّن بطلانها.
وأيضا ، كيف يجوز على الله تعالى أن يقول للمصلّي إذا أراد الصلاة في الدّار المغصوبة : لا تركع فإذا ركعت لعاقبتك ، ويقول أيضا : اركع هذا أو غيره وإلّا لعاقبتك.
أقول : ويظهر الجواب عن ذلك بالتأمّل فيما مرّ (٣) ، ونقول هاهنا أيضا.
قوله : فالجمع بينهما في أمر واحد ممتنع إن أراد انّ الأمر بالصلاة من حيث إنّه هو هذا الفرد الذي بعينه هو الغصب ، والنهي عن الغصب الذي بعينه هو الكون الحاصل في الصلاة ممتنع الاجتماع ، فهو كما ذكره ، لكن الأمر والنّهي لم يردا إلّا مطلقين.
والحاصل ، أنّ جهتي الأمر والنّهي هنا تقييديّتان لا تعليليّتان (٤) كما أشار إليه
__________________
(١) القائلون بعدم جواز اجتماع الأمر والنهي ومنهم صاحب «المعالم».
(٢) وهذا الكلام إلى هنا في «المعالم» ص ٢٤٧ وما بعده أيضا له ولكن بتصرّف من المصنّف.
(٣) وهو تعلّق الأمر والنهي في الطبيعة لا بالفرد فلا قبح من طرف الأمر.
(٤) قال في الحاشية : قيل : انّ المراد من التقييديّة ما كان مكثّرا للموضوع ومنوّعا لمتعلّق الحكم بجعل الجهة قيدا فيه ، مثل أكرم العالم فلا تكرم الفاسق ، فإذا اجتمع العنوانان في محل واحد مثل زيد العالم الفاسق كانت الجهة تقييديّة. والمراد من التعليليّة ما كان علّة للحكم في موضوعه الواحد الشخصي ، مثل أكرم زيدا لأنّه عالم ولا تكرمه لأنّه ـ