وأنت خبير بان الظاهر من هذه الاخبار هو قصر الحكم على نفس السجدة دون سورتها. ووجهه شيخنا المحقق في كتاب رياض المسائل بأن السجدة في الأصل مصدر للمرة من السجود ، وليس المراد به هنا حقيقته بل معناه المجازي وهو سبب السجدة أو محلها ، وليس شيء من أبعاض السورة المذكورة سوى موضع الأمر بالسجود سببا ولا محلا. ومن ذلك يظهر ان لا مستند لعموم الحكم سوى الإجماع المدعى في المسألة. وقد عرفت في المقدمة الثالثة ما في هذه الإجماعات المتناقلة في أمثال هذه المقامات ، سيما مع معارضة الأصل له هنا والعمومات من الكتاب والسنة الدالة على استحباب قراءة القرآن ، وحينئذ فالأظهر ـ كما استظهره جملة من متأخري المتأخرين ـ قصر الحكم بالتحريم على موضع ذكر السجود.
الا انه قد ورد في جملة من الاخبار ـ منها الصحيح وغيره ـ جواز ان يقرأ الجنب من القرآن ما شاء :
فمن ذلك صحيحة الفضيل بن يسار عن ابي جعفر (عليهالسلام) (١) قال : «لا بأس ان تتلو الحائض والجنب القرآن».
وفي صحيحة الحلبي (٢) «في النفساء والحائض والجنب والمتغوط يقرأون القرآن؟ فقال يقرأون ما شاءوا».
ومن أجل هذه الاخبار مضافا الى عموم ظاهر الكتاب لم يعتمد شيخنا المحقق صاحب كتاب رياض المسائل الا على الإجماع المدعى في المقام ، مؤيدا ذلك بالطعن في دلالة تلك الاخبار على المدعى بأنه كما يحتمل الاستثناء في قوله : «نعم ما شاءا إلا السجدة» ان يكون استثناء من أصل جواز قراءة القرآن يحتمل ان يكون استثناء من استحبابها ولا يفيد الا رفع الاستحباب ولا يقتضي التحريم. وفيه ان اخبار السجدة مقيدة وتلك مطلقة والمقيد يحكم على المطلق ، وعمومات الكتاب وإطلاقاته تخصص بالسنة كما وقع
__________________
(١ و ٢) المروية في الوسائل في الباب ١٩ من أبواب الجنابة.