بدليل قول الهذلي (١) : [الطويل]
ألا زعمت أسماء أن لا أحبّها |
|
فقلت بلى لو لا ينازعني شغلي |
وقال جرير (٢) : [البسيط]
أنت المبارك والميمون سيرته |
|
لو لا تقوّم درء الناس لاختلفوا |
وقال آخر : [البسيط]
قالت أميمة لمّا جئت زائرها |
|
هلّا رميت ببعض الأسهم السود |
لا درّ. درّك إنّي قد رميتهم |
|
لو لا حددت ولا عذرى لمحدود |
فإن قيل : لو كان ما بعدها مبتدأ لم تقع موقعه (أنّ) المفتوحة ، وقد وقعت كقوله تعالى : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) [الصافات : ١٤٣] ووقوع المفرد بعدها دليل على ارتفاعه بفعل محذوف أو بها؟
قيل : جوابه من ثلاثة أوجه :
أحدها : أنّ (أنّ) المفتوحة تكون في موضع المبتدأ في كلّ موضع لا يصحّ فيه دخول (إنّ) المكسورة عليها لئلّا يتوالى حرفان بمعنى واحد ، وقد أمن هذا في (لو لا).
والثاني : أنّ خبر المبتدأ ههنا لمّا لم يظهر بحال صار الكلام كالمفرد.
والثالث : أنّ الكلام لا يصحّ إلا بشيئين ؛ أحدهما : جعل (لا) بمعنى (لم) ، والثاني : تقدير فعل رافع. والأوّل باطل لوجهين ؛ أحدهما : أنّ وضع (لا) موضع (لم) لا يصحّ ؛ لأن (لم) تختصّ بالأفعال المستقبلة لفظا و (لا) تختصّ. والثاني : أنّ (لو لا) هنا تختصّ بالأسماء أو تكثر فيها و (لم) لا يقع بعدها الأسماء ، وأمّا تقدير الفعل فلا يصحّ لوجهين ؛ أحدهما : أنّ الفعل لا
__________________
(١) البيت من شعر أبي ذؤيب الهذلي ت ٢٧ ه ، ٦٤٨ م ، وهو خويلد بن خالد بن محرث أبو ذؤيب من بني هذيل بن مدركة المضري ، شاعر فحل ، مخضرم ، أدرك الجاهلية والإسلام ، وسكن المدينة واشترك في الغزو والفتوح.
(٢) جرير : (٢٨ ـ ١١٠ ه / ٦٤٨ ـ ٧٢٨ م) وهو جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر الكلبي اليربوعي ، أبو حزرة ، من تميم.
أشعر أهل عصره ، ولد ومات في اليمامة ، وعاش عمره كله يناضل شعراء زمنه ويساجلهم فلم يثبت أمامه غير الفردق والأخطل. كان عفيفا ، وهو من أغزل الناس شعرا.