باب كان وأخواتها
ذهب الجمهور إلى أنّها أفعال لتصّرفها واتّصال الضمائر وتاء التأنيث بها ودلالتها على معنى في نفسها وهو الزمان (١).
فصل : وإنّما لم تدلّ على حدث ولا أكّدت بالمصدر لأنّهم اشتقوها من المصادر ثّم خلعوا عنها دلالتها على الحدث ؛ لتدلّ على زمن خبر المبتدأ حتّى صارت مع الخبر بمنزلة الفعل الدالّ على الحدث والزمان.
ومن عبّر من البصريّين عنها بالحروف فقد تجوّز ؛ لأنه وجدها تشبه الحروف في أنّها لا تدلّ على الحدث ، وإنّما هي أفعال لفظيّة أو يكون عنى بالحروف الطريقة ؛ إذ كان لهذه الأفعال في النحو طريقة تخالف فيها بقيّة الأفعال ، ولهذه العلّة خصّوها من بين الأفعال بالدخول على المبتدأ والخبر.
وأمّا : (ليس) (٢) فمن البصريّين من قال : هي حرف وإنّ الضمير اتّصل بها لشبهها بالأفعال كما اتّصل الضمير ب (ها) على لغة من قال في التثنية : (هاءا) ، وفي الجمع : (هاؤوا)
__________________
(١) كان وأخواتها وهي أمسى وأصبح وأضحى وظلّ وبات وصار وليس مطلقا وتالية لنفي أو شبهه زال ماضي يزال وبرح وفتيء وانفكّ وصلة لما الوقتية دام نحو (ما دمت حيّا) وأقول الخامس من المرفوعات اسم كان وأخواتها الاثنتي عشرة المذكورة فإنهن يدخلن على المبتدأ والخبر فيرفعن المبتدأ ويسمى اسمهن حقيقة وفاعلهن مجازا وينصبن الخبر ويسمى خبرهن حقيقة ومفعولهن مجازا.
(٢) ليس : تفيد مع معموليها نفى اتصاف اسمها بمعنى خبرها فى الزمن الحالىّ نحو : ليس القطار مقبلا.
فالمراد نفى القدوم عن القطار الآن. ولا تكون للنفى فى الزمن الحالى إلا عند الإطلاق ، أى : عند عدم وجود قرينة تدل على أن النفى واقع فى الزمن الماضى ، أو فى المستقبل : فإن وجدت قرينة تدل على أنه واقع فى أحدهما وجب الأخذ بها ؛ نحو : ليس الغريب مسافرا أمس ، أو : ليس سافر الغريب ، أو : وجود الفعل الماضي بعدها ، أو قبلها ـ دليل على أنه النفى للماضى ... أما فى نحو : ليس الغريب مسافرا غدا ، أو قوله تعالى في عذاب الكافرين يوم القيامة : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ ،) فيكون النفى متجهما للمستقبل ؛ لوجود قرينة لفظية فى المثال ؛ وهى كلمة : «غد» الدالة عليه ولوجود قرينة عقلية فى الآية تدل عليه أيضا ، هى : أن يوم القيامة لم يأت حتى الآن.
وقد يكون المراد منها نفى الحكم نفيا مجردا من الزمن ؛ كقول العرب : ليس لكذوب مروءة ، ولا لحسود راحة ، ولا لسيء الخلق سؤدد. ـ