باب ظن وأخواتها
هذه الأفعال من عوامل المبتدأ والخبر ؛ ولذلك احتاجت إلى مفعولين ، فالأوّل ما كان مبتدأ ، والثاني ما صلح أن يكون خبرا (١).
وإنّما نصبتهما ؛ لأنّهما جاءا بعد الفعل والفاعل والذي تعلّق به الظن منهما هو المفعول الثاني ، وذكر المفعول الأوّل ؛ لأنه محلّ الشيء المظنون لا لأنه مظنون ، ألا ترى أنّ قولك : ظننت زيدا منطلقا. (زيد) فيه غير مظنون ، وإنّما المظنون انطلاقه ، ولكن لو قلت : ظننت منطلقا لم يعلم الانطلاق لمن كان ، كما لو ذكرت الخبر من غير مبتدأ.
فإن قيل : فلماذا دخلت هذه الأفعال على المبتدأ والخبر لتحدث في الجملة معنى الظنّ والعلم اللذين لم يتحقق معناها في المبتدأ والخبر ، ألا ترى أنّ قولك : (زيد منطلق) يجوز أن تكون قلت ذلك عن ظن وأن تكون قلته عن علم ؛ فإذا قلت : ظننت أو علمت صّرحت بالحقيقة وزال الاحتمال.
فصل : وإذا ذكرت هذه الأفعال مع فاعلها لم يلزم ذكر المفعولين ؛ لأن الجملة قد تّمت ولكن تكون الفائدة قاصرة ؛ لأن الغرض من ذكر الظن المظنون ؛ فإذا أردت تمام الفائدة ذكرت المفعولين لتبيّن الشي المظنون والذي أسند إليه المظنون ، ولا يجوز الاقتصار على أحدهما ؛ لأن المفعول الأول إن اقتصرت عليه لم يعرف المقصود بهذه الأفعال وإن اقتصرت على الثاني لم يعلم إلى من أسند (٢).
__________________
(١) ظنّ ـ وهو لرجحان وقوع الشىء ـ كقول الشاعر :
ظننتك ، إن شبّت لظى الحرب ، صاليا |
|
فعرّدت فيمن كان فيها معرّدا |
وقد تكون لليقين ، كقوله تعالى(يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) وقوله (وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ)» ، أي علموا واعتقدوا.
(فان كانت بمعنى ، «اتهم» فهي متعدية إلى واحد ، مثل «ظن القاضي فلانا» ، أي اتهمه والظنين والمظنون المتهم. ومنه قوله تعالى (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) أي متهم).
(٢) قد يتضمن القول معنى الظن ، فينصب المبتدأ والخبر مفعولين ، كما تنصبهما «ظنّ». وذلك بشرط أن يكون الفعل مضارعا للمخاطب مسبوقا باستفهام ، وأن لا يفصل بين الفعل والاستفهام بغير ظرف ، أو جار ومجرور ، أو معمول الفعل ، كقول الشاعر
متى تقول القلص الرّواسما |
|
يحملن أمّ قاسم والقاسما |