باب نعم وبئس
وهما فعلان (١) عند البصريّين والكسائي واسمان عند الباقين ، والدليل على أنّهما فعلان ثلاثة أشياء :
أحدهما : اتّصال تاء التأنيث الساكنة الدّالة على تأنيث الفاعل بها ، وليس كذلك تاء : (ربّت) و (ثّمت) ؛ لأنها متحرّكة غير دالة على تأنيث الفاعل ، وقد وقف عليها قوم بالهاء.
والثاني : أنّه يستتر فيها الضمير وليست اسم فاعل ولا مفعول ولا ما أشبههما ، وقد حكى الكسائيّ : نعموا رجالا الزيدون.
والثالث : أنّها ليست حرفا بالاتفاق ولا سيما وهي تفيد مع اسم واحد ، ولا يجوز أن تكون اسما إذ لو كانت اسما لكانت إمّا أن تكون مرفوعة ولا سبيل إلى ذلك إذ ليست فاعلا ولا مبتدأ ولا ما شبّه بهما ، وإمّا منصوبة ولا سبيل إليه أيضا إذ ليست مفعولا ولا ما شبّه به وإمّا مجرورة ولا سبيل إليه ، فأمّا دخول (الباء) عليها في بعض الحكايات فلا يدلّ على أنّها اسم كما قال الراجز : [مشطور الرجز]
والله ما ليلي بنام صاحبه ... (٢)
والتقدير في ذلك كلّه بمقول فيه وحذف القول كثير.
__________________
(١) نعم وبئس : هي أفعال لإنشاء المدح والذّمّ على سبيل المبالغة. وفاعلهما نوعان :
(أحدهما) اسم ظاهر معرّف ب «أل» الجنسيّة نحو : (نِعْمَ الْعَبْدُ) (الآية «٤٤» من سورة ص) و (بِئْسَ الشَّرابُ) (الآية «٢٩» من سورة الكهف) أو معرّف بالإضافة إلى ما قارنها نحو : (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) (الآية «٣٠» من سورة النحل) (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) (الآية «٢٩» من سورة النحل) أو بالإضافة إلى المضاف لما قارنها كقول أبي طالب :
فنعم ابن أخت القوم غير مكذّب |
|
زهير حسام مفرد من حمائل |
(الثاني) ضمير مستتر وجوبا مميّز إمّا بلفظ «ما» بمعنى شيء «ما» الواقعة بعد «نعم» على ثلاثة أقسام : «أ» مفردة أي غير متلوّة بشىء ، نحو دققته دقّا نعمّا ، وهي معرفة تامة فاعل ، والمخصوص محذوف ، أي نعم الشيء الدّقّ. «ب» متلوّة بمفرد نحو «فنعمّا هي» و «بئسما تزويج ولا مهر» وهي معرفة تامّة فاعل ، وما بعدها هو المخصوص ، أي نعم الشيء هو ، وبئس هذا الشيء تزويج ولا مهر.
(٢) البيت كاملا :
والله ما ليلي بنام صاحبه |
|
ولا مخالط اللّيان جانبه |