باب ما لا ينصرف (١)
قد سبق في صدر الكتاب معنى الصرف ، وينبغي أن يعلم أنّ الأصل في الأسماء المعربة الصرف ؛ لأن العلّة في الإتيان بالصرف موجودة في جميعها إلّا أنّ ضربا منها شابه الفعل من وجهين فمنع ذلك الضرب من الجرّ والتنوين اللذين لا يدخلان الفعل.
فإن قيل : هلّا منع الشبه من وجه واحد؟ قيل : لا يمنع لوجهين :
أحدهما : أنّ استحقاق الاسم الصرف أصل متأكّد فالشبه الواحد دون تأكّده بالأصالة.
والثاني : أنّ الانتقال عن الأصل إلى حكم الفرع يفتقر إلى دليل يرجّح عليه إذ لو تساويا لم يكن الانتقال أولى من البقاء والشبه الواحد لا يرجّح الأصالة وصار كالحق في الذمّة لا يثبت إلّا بشاهدين ؛ لأن البراءة أصل.
فصل : ومعنى شبه الاسم للفعل أن يصير فرعا وبيانه أنّ الفعل فرع على الاسم من جهات :
إحداها : أنّه مشقّ من المصدر وهو اسم والمشتقّ ثان للمشتقّ منه.
والثانية : أنّ الفعل يخبر به لا عنه والاسم يخبر به وعنه والأدنى فرع على الأعلى.
والثالثة : أنّ الأفعال تحدث من مسمّيات الأسماء والحادث متأخّر عن المحدث ، وإذا ثبت هذا في الفعل فالاسم يصير فرعا بحدوث أمر ثان لغيره ومسبوق به.
وتلك الأمور تسعة وزن الفعل والتعريف والزيادة والوصف والعدل والعجمة والجمع والتركيب وكلّ منها مسبوق بضدّه أو خلافه.
فصل : فوزن الفعل مسبوق بوزن الاسم كسبق الاسم للفعل.
__________________
(١) قال ابن هشام في شرح الشذور : باب ما لا ينصرف وحكمه أنه يوافق ما ينصرف في أمرين وهما أنه يرفع بالضمة وينصب بالفتحة ويخالفه في أمرين وهما أنه لا ينوّن وأنه يجر بالفتحة نحو جاءني أفضل منه ومررت بأفضل منه ورأيت أفضل منه وقال الله تعالى : (فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها)(يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ)(وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ)
ويستثنى من قولنا ما لا ينصرف مسألتان يجر فيهما بالكسرة على الأصل إحداهما أن يضاف والثانية أن تصحبه الألف واللام تقول مررت بأفضل القوم وبالأفضل وقال الله تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)