باب (حتّى)
وهي حرف بلا خلاف ، وتدخل على المفرد (١) والجملة الاسمّية والفعل فدخولها على الفعل يذكر حكمه في نواصب الأفعال ، وأمّا دخولها على الجملة فلا يؤثّر فيها لفظا ولا تقديرا ، وذلك كقول الشاعر (٢) : [الطويل]
فيا عجبي حتّى كليب تسبّني |
|
كأنّ أباها نهشل أو مجاشع |
وأمّا دخولها على المفرد فعلى ضربين ؛ أحدهما : أنّ تجر ك (إلى). والثاني : أن تكون عاطفة ك (الواو).
__________________
(١) حتى للانتهاء كإلى ، كقوله تعالى (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ.) وقد يدخل ما بعدها فيما قبلها ، نحو «بذلت ما لي في سبيل أمّتي ، حتى آخر درهم عندي». وقد يكون غير داخل ، كقوله تعالى (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) فالصائم لا يباح له الأكل متى بدا الفجر.
ويزعم بعض النحاة أنّ ما بعد «حتى» داخل فيما قبلها على كل حال. ويزعم بعضهم أنه ليس بداخل على كل حال. والحقّ أنه يدخل ، إن كان جزءا مما قبلها ، نحو «سرت هذا النهار حتى العصر» ، ومنه قولهم «أكلت السمكة حتى رأسها». وإن لم يكن جزءا ممّا قبلها لم يدخل ، نحو «قرأت الليلة حتى الصّباح» ومنه قوله تعالى (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ.)
واعلم أن هذا الخلاف إنما هو في «حتى» الخافضة. وأما «حتى» العاطفة ، فلا خلاف في أن ما بعدها يجب أن يدخل في حكم ما قبلها ، كما ستعلم ذلك في مبحث أحرف العطف.
والفرق بين غلى وحتى أنّ «إلى» تجرّ ما كان أخرا لما قبله ، أو متّصلا بآخره ، وما لم يكن آخرا ولا متصلا به.
فالأول نحو «سرت ليلة أمس إلى آخرها» والثاني نحو «سهرت اليلة إلى الفجر» ، والثالث نحو «سرت النهار إلى العصر».
ولا تجرّ «حتى» إلا ما كان آخرا لما قبلها ، أو متّصلا بآخره ، فالأول نحو «سرت ليلة امس حتى آخرها» ، والثاني كقوله تعالى (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) ولا تجرّ ، ما لم يكن آخرا ولا متصلا به ، فلا يقال «سرت الليلة حتى نصفها».
وقد تكون حتى للتّعليل بمعنى اللام ، نحو «اتّق الله حتى تفوز برضاه» ، أي لتفوز.
(٢) البيت للفرزدق : (٣٨ ـ ١١٠ ه / ٦٥٨ ـ ٧٢٨ م) وهو همام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي ، أبو فراس. شاعر من النبلاء ، من أهل البصرة ، عظيم الأثر في اللغة. يشبه بزهير بن أبي سلمى وكلاهما من شعراء الطبقة الأولى ، زهير في الجاهليين ، والفرزدق في الإسلاميين.
وهو صاحب الأخبار مع جرير والأخطل ، ومهاجاته لهما أشهر من أن تذكر. كان شريفا في قومه ، عزيز الجانب ، يحمي من يستجير بقبر أبيه. لقب بالفرزدق لجهامة وجهه وغلظه. وتوفي في بادية البصرة ، وقد قارب المئة.