باب الفرق بين إن المفتوحة والمكسورة
وإنّما فرّقوا بينهما لافتراقهما في المعنى ، والتباس المعنى في بعض المواضع ، ففرّقوا بالحركات ليزول اللبس ، ألا ترى أنّك إذا قلت أوّل ما أقول : إنّي أحمد الله يحتمل معنيين (١) :
أحدهما : أن تجعل الحمد هو أول كلامك.
والثاني : أن تجعل الحمد هو الذي تحكيه بقولك : (أقول) ، وليس هو نفس الأوّل فعند ذلك يحتاج إلى الفرق بينهما ليتّضح المعنى.
وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام في التلبيه : (لبيك إنّ الحمد لك) إذا فتحت كان المعنى لبّيك ؛ لأن الحمد لك ، وإذا كسرت كان مستأنفا وهو أجود في التلبية.
فصل : والمكسور (٢) هي الأصل لثلاثة أوجه :
__________________
(١) ل «إن» من حيث حركة همزتها ثلاثة أحوال : وجوب الفتح حيث يسدّ المصدر مسدّها ومسدّ معموليها ، ووجوب الكسر حيث لا يجوز أن يسدّ المصدر مسدّها وجواز الوجهين إن صحّ الاعتباران.
(٢) يجب كسر همزة «إن» في اثني عشر موضعا :
١ ـ أن تقق في الابتداء حقيقة نحو : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) (الآية «١» من سورة القدر) أو حكما نحو : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الآية «٦٢» من سورة يونس) (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى) (الآية «٦» من سورة العلق).
٢ ـ أن تقع تالية ل «حيث» نحو : «جلست حيث إنّ عليّا جالس».
٣ ـ أن تتلو «إذ» ك «زرتك إذ إنّ خالدا أمير».
٤ ـ أن تقع تالية لموصول اسميّ أو حرفيّ نحو قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) (الآية «٧٦» من سورة القصص) ف «ما» : موصول اسميّ ، ووجب كسر همزة «إن» بعدها لوقوعها في صدر الصّلة بخلاف الواقعة في حشو الصّلة نحو : «جاء الّذي عندي أنّه فاضل» ومثله قولهم «لا أفعله ما أنّ حراء مكانه» (حراء : جبل بمكة ، وفيه الغار الذي كان يتعبد فيه النبي صلىاللهعليهوسلم. فتفتح «أنّ» فيهما لوقوعها في حشو الصلة ، إذ التقدير : لا أفعله ما ثبت أنّ حراء مكانه ، فليست «أنّ» في التقّدير تالية للموصول الحرفي ، لأنّها فاعل بفعل محذوف ، والجملة صلة و «ما» الموصول الحرفي.
٥ ـ أن تقع بعد «حتّى» تقول : «قد قاله القوم حتّى إنّ زيدا يقوله». وانطلق القوم حتّى إنّ زيدا لمنطلق «فحتّى ههنا لا تعمل شيئا في» إنّ «كما لا تعمل» «إذا» كما يقول سيبويه : ولو أردت أن تقول : حتّى أنّ ، في ذا الوضع ، أي حتى أن زيدا منطلق كنت محيلا ، لأنّ أنّ وصلتها بمنزلة الانطلاق ولو قلت : انطلق القوم حتّى الانطلاق كان محالا. ـ
.