باب إنّ وأخواتها
إنّما دخلت : (إنّ) على الكلام للتوكيد عوضا عن تكرير الجملة ، وفي ذلك اختصار تامّ مع حصول الغرض من التوكيد ، فإن دخلت (اللام) في خبرها آكد وصارت : (إنّ واللام) عوضا من تكرير الجملة ثلاث مرّات ، وهكذا (أنّ) المفتوحة إذ لو لا إرادة التوكيد لكنت تقول مكان قولك : بلغني أنّ زيدا منطلق بلغني انطلاق زيد (١).
__________________
(١) الغالب في : «إنّ» و «أنّ» : التوكيد ، وفى «لكنّ» الاستدراك ولا بد أن يسبقها كلام له صلة معنوية بمعموليها. وفى : «كأن» : التشبيه ؛ وفى : «ليت» التمنى. وفى : «لعل» الترجى والتوقع. وقد تكون للإشفاق.
شروط إعمالها :
١ ـ يشترط لعملها ألا تتصل بها : «ما» الزائدة. فإن اتصلت بها «ما» الزائدة ـ وتسمّة : «ما» الكافّة ـ منعتها من العمل ، وأباحت دخولها على الجمل الفعلية بعد أن كانت مختصة بالاسمية. إلا : «ليت» فيجوز إهمالها وإعمالها عند اتصالها بكلمة «ما» السالفة ؛ فيجب الإهمال فى مثل : إنما الأمين صديق ، ولكنما الخائن عدوّ ، وفى مثل قول الشاعر يصف حصانا ببياض وجهه ، وسواد ظهره :
وكأنما انفجر الصباح بوجهه |
|
حسنا ، أو احتبس الظلام بمتنه |
ويجوز الأمران مع : «ليت» مثل : ليتما علىّ حاضر ، أو : ليّما عليا حاضر ، وهى فى الحالتين مختصة بالجمل الاسمية.
ب ـ يشترط فى اسمها شروط ، أهمها : ألا يكون من الكلمات التى تلازم استعمالا واحدا ، وضبطا واحدا لا يتغير ؛ كالكلمات التى تلازم الرفع على الابتداء ، فلا تخرج عنه إلى غيره ؛ ككلمة : «طوبى» وأشباهها ـ فى مثل : طوبى للمجاهد فى سبيل الله. ـ فإنها لا تكون إلا مبتدأ.
وألا يكون من الكلمات الملازمة للصدارة في جملتها ، إما بنفسها مباشرة ؛ كأسماء الشرط ، و : «كم» ... ، وإما بسبب غيرها ؛ كالمضاف إلى ما يجب تصديره ؛ مثل : صاحب من أنت؟ فكلاهما لا يصلح أسما.
والسبب : هو أن هذه الحروف الناسخة ملازمة للصدارة فى جملتها (ما عدا «أنّ» ؛ فإذا كان اسم واحد منها ملازما للصدارة وقع بينهما التعارض. ولهذا كان من شروط إعمالها ـ أيضا ـ أن يتأخر اسمها وخبرها عنها.
وألا يكون اسمها فى الأصل مبتدأ واجب الحذف ؛ كالمبتدأ الذى خبره فى الأصل نعت ، ثم انقطع عن النعت إلى الخبر ؛ نحو : عرفت محمودا العالم.
ح ـ ويشترط فى خبرها ألا يكون إنشائيّا ، (إلا الإنشاء المشتمل على : «نعم» و «بئس» وأخواتهما من أفعال المدح والذم) فلا يصح : إن المريض ساعده. وليت البائس لا تهنه ... ويصح : إن الأمين نعم الرجل ، وإن الخائن بئس الإنسان.
وكذلك يشترط فى خبرها إذا كان مفردا أو جملة ـ أن يتأخر عن اسمها ، فيجب مراعاة الترتيب بينهما ؛ بتقديم الاسم وتأخير الخبر ، نحو : إن الحقّ غلّاب ـ إن العظائم كفؤها العظماء ـ إن كبار النفوس ينفرون من صغائر الأمور ، وقول الشاعر :