باب المصدر
المصدر (١) : مشتقّ منك (صدرت الإبل عن الماء) إذا انصرفت ووّلته صدروها ، وسمّي بذلك لأن الفعل صدر عنه هذا مذهب البصريّين.
وقال الكوفيّون : المصدر مشتق من الفعل. والدليل على الأول أمران :
أحدهما : أنّ المصدر يدلّ على الحدث فقط والفعل يدل على الحدث والزمان ، وما يدلّ على معنى واحد كالمفرد وما يدلّ على معنيين كالمركّب ، والمفرد قبل المركّب.
والثاني : أنّ المصدر جنس يقع على القليل والكثير والماضي والمستقبل فهو كالعموم ، والفعل يختصّ بزمان معيّن والعام قبل الخاصّ ، وقد شبّه المصدر بالنقرة من الفّضّة في أنّها فضّة فقط وما يتخذ منها من مرآة أو قاروة ونحو ذلك بمنزلة الفعل من حيث أنّ فيه ما في المصدر وزيادة ، كما أنّ المرآة فيها الفضّة والصورة المخصوصة.
واحتجّ الكوفيّون بأنّ الفعل يعمل في المصدر والعامل قبل المعمول وهذا لا يصلح دليلا على ما ذهبوا إليه من وجهين (٢) :
__________________
(١) المصدر هو اللفظ الدّالّ على الحدث ، مجرّدا عن الزمان ، متضمّنا أحرف فعله لفظا ، مثل «علم علما ، أو تقديرا ، مثل «قاتل قتالا» أو معوّضا مما حذف بغيره ، مثل «وعد عدة ، وسلّم تسليما».
(فالعلم مشتمل على أحرف «علم» لفظا. والقتال مشتمل على ألف «قاتل» تقديرا ، لأن أصله «قيتال» ، بدليل ثبوت هذه الياء في بعض المواضع ، فنقول «قاتل قيتالا ، وضارب ضيرابا» وهذه الياء أصلها الألف في قاتل ، انقلبت ياء لانكسار ما قبلها. والعدّة أصلها «الوعد» حذفت الواو وعوّضت منها تاء التأنيث.
والتسليم أصله «السلام». بكسر السين وتشديد اللام ، حذف أحد حرفي التضعيف ، وعوّض منه تاء التفعيل ، فجاء على «تسلام» كالتكرار. ثم قلبوا الألف ياء ، فصار إلى «التسليم». فالتاء عوض من إحدى اللامين.
فان تضمن الاسم أحرف الفعل ولم يدل على الحدث ، كالكحل والدهن والجرح (بضم الأول في الثلاثة) ، فليس ، بمصدر. بل هو امس للأثر الحاصل بالفعل ، أي الأثر الذي يحدثه في الفعل).
وان دلّ على الحدث ، ولم يتضمن كل أحرف الفعل ، بل نقص عنه لفظا وتقديرا من دون عوض ، فهو اسم مصدر ، كتوضأ وضوءا ، وتكلم كلاما ، وسلم سلاما.
(٢) المصدر أصل الفعل ، وعنه يصدر جميع المشتقّات.
وهو قسمان مصدر للفعل الثلاثيّ المجرّد كسير وهداية ، ومصدر لما فوقه كإكرام وإمتناع وتدحرج.
وهو أيضا ، إما أن يكون مصدرا غير ميميّ «كالحياة والموت». وإما أن يكون مصدرا ميميا «كالمحيا والممات».