باب التّعجّب
التّعجّب : هو الدهش من الشيء الخارج عن نظائره المجهول سببه ، وقد قيل : إذا ظهر السبب بطل العجب ، واللفظ الموضوع له بحقّ الأصل : (ما أفعله!) فأمّا : (أفعل به!) فمعدول به عن أصله على ما سنبيّنه.
فصل : و (ما) فى التّعجّب نكرة غير موصولة مبتدأ. و (أحسن) خبرها ، وقال أبو الحسن : هي بمعنى الذى و (أحسن) صلتها والخبر محذوف (١).
والدليل على الأوّل من وجهين :
أحدهما : أنّ التعجّب من مواضع الإبهام ف (الذي) فيها إيضاح بصلتها.
__________________
(١) هو انفعال في النّفس عند شعورها بما يخفى سببه ؛ فإذا ظهر السّبب بطل العجب. وصيغ التّعجّب : للتّعجّب صيغ كثيرة ، منها قوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) (الآية «٢٨» من سورة البقرة) وفي الحديث : (سبحان الله إنّ المؤمن لا ينجس). ومن كلام العرب «لله درّه فارسا» والمبوّب له في كتب العربيّة صيغتان لا غير ولا تتصرّفان : «ما أفعله ، وأفعل به». لا طّرادهما فيه نحو «ما أجمل الصّدق» و «أكرم بصاحبه». وبناؤه أبدا ـ كما يقول سيبويه ـ من «فعل» و «فعل» و «فعل» و «أفعل».
الصّيغة الأولى «ما أفعله» : هذه الصّيغة مركبة من «ما» و «أفعله» فأمّا «ما» فهي اسم إجماعا ، لأنّ في «أفعل» ضميرا يعود عليها ، كما أجمعوا على أنها مبتدأ ، لأنها مجرّدة للإسناد إليها.
ثم اختلفوا : فعند سيبويه أنّ «ما» نكرة تامّة بمعنى شيء ، وجاز الابتداء بها لتضمّنها معنى التّعجّب وما بعدها خبر ، فموضعه رفع. وعند الأخفش : هي معرفة ناقصة. بمعنى الذي ، وما بعدها صلة فلا موضع له ، أو نكرة ناقصة وما بعدها صفة ، وعلى هذين فالخبر محذوف وجوبا (وليس هذا القول بالمرضي كما في الرّضي ، لأنه حذف الخبر وجوبا مع عدم ما يسدّ مسدّه ، وأيضا ليس في هذا التقدير معنى الإبهام اللائق في التعجب كما كان في تقدير سيبويه) تقديره : شيء عظيم.
وأمّا «أفعل» فالصحيح (وهو قول سيبويه والكسائي) : أنها فعل للزومه مع ياء المتكلّم نون الوقاية نحو «ما أفقرني إلى رحمة الله». ففتحته فتحة بناء ، وما بعده مفعول به (وقال بقية الكوفيين : اسم لمجيئه مصغرا في قوله : «يا ما أميلح غزلانا شدنّ لنا» ففتحته فتحة إعراب) :
الصيغة الثانية «أفعل به» : أجمعوا على فعليّة «أفعل» وأكثرهم على أن لفظضه لفظ الأمر ومعناه الخبر ، وهو في الأصل ماض على صيغة «أفعل» بمعنى صار ذا كذا ، ثمّ غيّرت الصّيغة فقبح إسناد صيغة الأمر إلى الاسم الظاهر ، فزيدت الباء في الفاعل ليصير على صورة المفعول به ولذلك التزمت (وقال الفرّاء والزّجّاج والزّمخشري وغيرهم : لفظه الأمر ، وفيه ضمير للمخاطب ، والباء للتعدية ، فمعنى : «أجمل بالصّدق» اجعل يا مخاطب الصدق جميلا أي صفه بالجمال كيف شئت).