والثاني : أنّ تقدير الخبر هنا لا فائدة فيه ؛ إذ تقديره الذي أحسن زيدا شيء وهذا لا يستفيد منه السامع فائدة ، وإنّما جاز الابتداء بهذه النكرة ؛ لأن الغرض منه التعجّب لا الإخبار المحض ، وإنّما عدل عن (شيء) إلى (ما) ؛ لأن (ما) أشدّ إبهاما إذ كانت لا تثنّى ولا تجمع ولا تقع للتحقير ، ولأنّها يؤكّد بها إبهام (شيء) فيقال : ما أخذت منه شيئا ما ، فإنّها تثنّى وتجمع وتذكر للتحقير كقولك : عندي شييء أي حقير.
ولم يستعملوا في التعجب : (من) بمن يعقل ولا : (أيّا) ؛ لأنها كشي فيما ذكرنا.
فصل : فأمّا صيغة : (أفعل) في التعجّب ففعل لثلاثة أوجه :
أحدها : إلحاق نون الوقاية بها في قولك : ما أحسنني! فهو كقولك : أكرمنى ، وليس الأسماء كذلك ولا عبرة بما جاز في الشعر من ذلك قوله : [البسيط]
... وليس حاملني إلا ابن حمّال
لشذوذه والاضطرار إليه.
والثاني : أنّ (أفعل) هذه تنصب المتعّجب منه على أنّه مفعول به ، ولا تجوز إضافته إليه على الفتح أبدا ، ولو كان اسما لأعرب.
وقال بعض الكوفييّن : هو اسم ؛ لأنه يصغر ولا تلحقه الضمائر ولا تاء التأنيث وتصحّ فيه الواو والياء كقولك : ما أخوفني وما أسيرني! ، وليس كذلك الفعل.
والجواب : أنّ التصغير جاز في هذا الفعل لثلاثة أوجه :
أحدها : أنّه نائب عن تصغير المصدر كما أنّ الإضافة إلى الفعل في اللفظ وهي في التقدير إلى مصدره.
والثاني : أنّ هذا الفعل أشبه الاسم في جموده.
والثالث : أنّ لفظة : (أفعل) هنا مثل لفظة : (هو أفعل منك) وللشبه اللفظي أثّركما في باب مالا ينصرف.
وأمّا خلوّة عن الضمير فإنّما كان كذلك ؛ لأن فيه ضمير : (ما) وهي مفردة بكلّ حال ، وكذلك امتناع تاء التأنيث ؛ لأن : (ما) مذكّر ، وأمّا الواو والياء فلا حجّة فيها فإنّ من الأفعال