ما هو كذلك كقوله تعالى : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) [المجادلة : ١٩] ولأنّ هذا الفعل أشبه الاسم وأشبه لفظه : (أفعل منك) فأجري عليه في الصحّة حكمها.
فصل : ولا يكون التعجّب إلا من وصف موجود في حال التعجّب منه ؛ ولذلك كانت الصيغة الدالّة عليه صيغة الماضي ؛ لأن فعل الحال لا يتكامل حتّى ينتهي والمستقبل معدوم فأمّا قولهم : ما أطول ما يخرج هذا الغلام!! فجاز ؛ لأن أمارات طوله في المستقبل موجودة في الحال.
فصل : الأصل في فعل التعجّب أن يكون من أفعال الغرائز ؛ لأنها هي التي تخفى ؛ فإذا زادت تعّجب منها لخفاء سببها ، وأمّا قولهم : ما أضرب زيدا لعمرو فإنّما تعجّب منه لتكرّره وخفاء سبب ذلك حتّى صار كالغريزيّ.
فصل : ولا يبنى فعل التعجب إلّا من الثلاثيّ (١) ؛ لأن الغرض منه أن يصير ما كان فاعلا مفعولا كقولك : حسن زيد وتبني منه أحسن زيدا كقولك : فرح زيد وأفرحت زيدا ؛ ولهذا ينتقل عن اللزوم إلى التعدّي ، ولا يعدّى بالهمزة إلا الثلاثي ، فأمّا الرباعيّ يعدّى بها فلا
__________________
(١) لا يصاغ فعلا التّعجّب إلّا ممّا استكمل ثمانية شروط :
(الأوّل) أن يكون فعلا فلا يقال : ما أحمره : من الحمار ، لأنّه ليس بفعل.
(الثاني) أن يكون ثلاثيا فلا يبنيان من دحرج وضارب واستخرج إلا «أفعل» فيجوز مطلقا (عند سيبويه).
وقيل يمتنع مطلقا ، وقال يجوز إن كانت الهمزة لغير نقل (المراد بالنقل : نقل الفعل من اللزوم إلى التعدي ، أو من التعدي لواحد إلى التعدي لاثنين ، أو من التعدي لاثنين إلى التعدي لثلاثة وذلك بأن وضع الفعل على همزة). نحو «ما أظلم هذا الليل» و «ما أقفر هذا المكان».
(الثّالث) أن يكون متصرّفا ، فلا يبنيان من «نعم» و «بئس» وغيرهما ممّا لا يتصرّف.
(الرابع) أن يكون معناه قابلا للتّفاضل ، فلا يبنيان من فني ومات.
(الخامس) أن يكون تامّا ، فلا يبنيان من ناقص من نحو «كان وظلّ وبات وصار».
(السادس) أن يكونض مثبتا ، فلا يبنيان من منفيّ ، سواء أكان ملازما للنّفي ، نحو «ما عاج بالدّواء» أي ما انتفع به ، أم غير ملازم ك «ما قام».
(السابع) أن لا يكون اسم فاعله على «أفعل فعلاء» فلا يبنيان من : «عرج وشهل وخضر الزّرع». لأنّ اسم الفاعل من عرج «أعرج» ومؤنثه «عرجاء» وهكذا باقي الأمثلة.
(الثامن) أن لا يكون مبنيّا للمفعول فلا ينيان من نحو «ضرب» وبعضهم ويستثني ما كان ملازما لصيغة «فعل» نحو «عنيت بحاجتك» و «زهي علينا» فيجيز «ما اعناه بحاجتك» و «ما أزهاه علينا».