باب ما يشغل عنه الفعل بضميره
إذا كان في الكلام فعل فالأولى أن تقدّمه على ما يصحّ أن يكون فاعلا أو مفعولا كقولك : زيد قام وزيدا ضربت.
أمّا الأوّل : فلأنّ الفعل أوقى من الابتداء وتقديم الخبر أولى من تأخيره عند السامع ؛ لأن المعنى يثبت في نفسه من الابتداء.
وأمّا الثاني : فلأنّ رتبة المفعول بعد الفاعل والتأخير جائز ثم ينظر في الفعل فإن عمل في ضمير المفعول مثل زيد ضربته فالجيّد رفع زيد ؛ لأن الفعل المذكور لا يصحّ أن ينصبه لنصبه ضميره فيصير الكلام مبتدأ وخبرا إلّا أن يعرض له ما يكون أولى بالفعل على ما نبيّنه إن شاء الله.
ونصبه جائز بفعل محذوف يفسّره المذكور وهذا على ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تقدّر مثل المذكور في اللفظ كقولك : ضربت زيدا ضربته.
والثاني : أن تقدّر فعلا من معناه كقولك : زيدا مررت به ، وتقديره : لقيت زيدا ولا تقدّر مررت ؛ لأنه لا يتعدّى إلّا بحرف الجرّ ومن ذلك زيدا ضربت أخاه ، والتقدير : أهنت زيدا ضربت أخاه لأنّك لم تضرب زيدا لكن أهنته بضرب من هو من سببه.
والثالث : أن تقدّر فعلا من معنى الكلام كقولك : زيدا لست مثله ، أي : خالفت وخالفت هو معنى لست مثله والرفع في هذا كلّه أجود.
فصل : فإن تقدّم الاسم استفهام كقولك : أزيدا ضربته فالنصب أجود ؛ لأن الهمزة استفهام عن فعل فتقدّره إذا كان معك ما يفسّره ، فإن قلت : أزيد مضروب ، رفعت إذ ليس معك ما يفسّر المقدّر الناصب (١).
__________________
(١) أجاز الكوفيون تقديم الفاعل على المسند إليه. فأجازوا أن يكون «زهير» في قولك «زهير قام» فاعلا لجاء مقدما عليه. ومنع البصريون ذلك. وجعلوا المقدم المبتدأ خبره الجملة بعده. كما تقدم. وتظهر ثمرة الخلاف بين الفريقين في أنه يجوز أن يقال ، على رأي الكوفيين «الرجال جاء» على أن الرجال فاعل لجاء مقدم عليه. وأما البصريون فلم يجيزوا هذا التعبير. بل أوجبوا أن يقال «الرجال جاءوا». على أن الرجال مبتدأ ، خبره جملة جاءوا ، من الفعل وفاعله الضمير البارز. والحق أن ما ذهب إليه البصريون هو الحق.