باب المعرفة والنكرة (١)
المعرفة في الأصل مصدر ك (العرفان) ؛ ولذلك تقول رجل ذو معرفة ثمّ نقل فجعل وصفا للاسم الدالّ على الشيء المخصوص ؛ لأنه يعرف به وهو يدلّ عليه.
وأمّا النكرة فمصدر نكرت الشيء نكرة ونكرا إذا جهلته ثمّ وصف به الاسم الذي لا يخصّ شيئا بعينه ؛ ولذلك تقول هذا الاسم النكرة وهذا اسم نكرة كما تقول هذا الاسم المعرفة واسم معرفة.
فصل : والنكرة سابقة على المعرفة لوجهين :
أحدهما : أنّ النكرة اسم للمعنى العامّ والعامّ قبل الخاصّ والخاصّ ليس فيه العامّ ألا ترى أنّ حيوانا فيه الإنسان وغيره والإنسان ليس فيه الحيوان العامّ فعلم أنّ الخاصّ واحد من العامّ والكلّ أصل لأجزائه.
والثاني : أنّ النكرة تقع على الأشياء المجهولة وعلى المعدوم والموجود والقديم والمحدث والجسم والعرض كقولك : شيء ومعلوم ومذكور وموجود فإذا أردت إفهام معنى معيّن زدت على ذلك الاسم الألف واللام أو الصفة وما لا زيادة فيه سابق على ما فيه زيادة.
فصل : وبعض النكرات (٢) أنكر من بعض فكلّ اسم تناول مسمّيات تناولا واحدا كان أنكر من اسم تناول دون تلك المسمّيات فعلى هذا أنكر الأشياء معدوم ومنكور ، وأمّا شيء فكذلك عند قوم ؛ لأن المعدوم عندهم يسمّى شيئا ، وإذا اقتصر على التسمية فقط فالخطب فيه يسير فأمّا من جعل المعدوم ذاتا وموصوفا وعرضا فقوله يؤدّي إلى قدم العالم وهو مع ذلك متناقض وليس هذا موضع بيانه ، وأمّا موجود فأخصّ من معدوم لخروج المعدوم منه
__________________
(١) قال ابن هشام في شرح الشذور : ينقسم الاسم بحسب التنكير والتعريف إلى قسمين نكرة وهو الأصل ولهذا قدمته ومعرفة وهو الفرع ولهذا أخرته.
(٢) يوجد كثير من النكرات لا معرفة له ، والمستقل أولى بالأصالة ، وأيضا فالشيء أول وجوده تلزمه الاسماء العامة ، ثم يعرض له بعد ذلك الأسماء الخاصة كالآدمي إذا ولد فإنه يسمى إنسانا أو مولودا أو موجودا ، ثم بعد ذلك يوضع له الاسم العلم واللقب والكنية. وأنكر النكرات مذكور ، ثم محدث ، ثم جوهر ، ثم جسم ، ثم نام ، ثم حيوان ، ثم إنسان ، ثم رجل ، ثم عالم ؛ فكل واحد من هذه أعم مما تحته وأخص مما فوقه : فتقول كل عالم رجل ولا عكس ، وهكذا كل رجل إنسان إلى آخره.