باب حبّذا
(حبّ) (١) فعل ماض وأصله : (حبب) مثل ظرف ؛ لأن اسم الفاعل منه : حبيب ، وهو لازم ، فأمّا : (حببت الرجل) فهو فعلت مثل : ضرب ، واختلفوا فيها على ثلاثة أقوال :
أحدها : أنّه غير مركّب وفاعله : (ذا) والاسم المرتفع بعده كالمرتفع بعد فاعل (نعم) فى الوجهين ، إلا أنّه لا يجوز تقديمه هنا على حبّذا ؛ لأن حبّذا صارت كالحرف المثبت لمعنى فيغيره فيكون له صدر الكلام وهذا هو الأصل.
والقول الثاني : أنّ (حبّ) ركّبت مع (ذا) وصارا فى تقدير اسم مرفوع بالابتداء ، و (زيد) خبره ، وتقدير المقرّب إلى القلب زيد ، واحتجّ على ذلك بحسن ندائه كقولهم : [البسيط]
يا حبّذا جبل الريّان من جبل (٢) ...
__________________
(١) حبّذا : فعل لإنشاء المدح ، ولا حبّذا فعل لإنشاء الذّمّ ، وهما مثل «نعم وبئس» (انظر هما في : نعم وبئس وما في معناهما) فيقال في المدح «حبّذا» وفي الذّمّ «لا حبّذا» قال الشاعر :
ألا حبّذا عاذري في الهوى |
|
ولا حبّذا الجاهل العاذل |
ف «حبّ» فعل ماض ، والفاعل «ذا» وهي اسم إشارة ولا يغيّر عن صورته مطلقا لجريانه مجرى الأمثال ، وجملة «حبّذا» من الفعل والفاعل خبر مقدّم ، ومخصوصه وهو «عاذري» مبتدأ مؤخرا أو خبر لمبتدأ محذوف.
والحاء من حبّ مع «ذا» مفتوحة وجوبا ، وبدونها تفتح أو تضم ، ومثل حبّذا إعراب «لا حبّذا إعراب» لا حبّذا الجاهل «إلا» أنّ فيه زيادة «لا» وهي النافية ، وتفترق «حبّذا» عن نعم وبئس من وجوه :
(أ) أنّ مخصوص «حبّذا» لا يتقدّم بخلاف مخصوص «نعم».
(ب) مخصوصها لا تعمل فيه النّواسخ بخلاف مخصوص «نعم» نحو : «نعم رجلا كان عليّا».
(ج) أنّه قد يتوسّط بين حبّذا ومخصوصها حال أو تمييز يطابقانه نحو «حبّذا قارئا خالد» و «حبّذا مسافرين خالدان» و «حبّذا رجلا محمّد» بخلاف «نعم».
(٢) البيت كاملا :
يا حبّذا جبل الريّان من جبل |
|
وحبّذا ساكن الريان من كانا |
وهو من شعر ابن الرومي : (٢٢١ ـ ٢٨٣ ه / ٨٣٦ ـ ٨٩٦ م) وهو علي بن العباس بن جريج أو جورجيس ، الرومي.
شاعر كبير ، من طبقة بشار والمتنبي ، رومي الأصل ، كان جده من موالي بني العباس. ولد ونشأ ببغداد ، ومات فيها مسموما قيل : دس له السمّ القاسم بن عبيد الله ـ وزير المعتضد ـ وكان ابن الرومي قد هجاه.
قال المرزباني : لا أعلم أنه مدح أحدا من رئيس أو مرؤوس إلا وعاد إليه فهجاه ، ولذلك قلّت فائدته من قول الشعر وتحاماه الرؤساء وكان سببا لوفاته. ـ