باب زيادة الهاء
قد ذكرنا شبه الهاء بالألف في خفائها وقربها من مخرجها ، إلّا أنّها في الجملة تقلّ زيادتها بحسب بعدها من حروف اللّين ، وقد زيدت أوّلا وحشوا وآخرا.
فمن الأوّل هركولة على قول الخليل ؛ لأنه أخذه من الركل ؛ لأنه رأى أنّ الهركولة المرأة العظيمة الأوراك فهي تركل في مشيها أي ترفع وتضع بشدة وقال غيره : هو أصل ، واحتجّ بأنّ الأصل عدم زيادتها وهذا البناء يمكن أن تكون فيه أصلا وإن كان في معنى الثّلاثي كما أنّ سبطا وسبطرا بمعنى.
ومن ذلك : (هبلع) أخذ من البلع ؛ لأنه الرجل الكثير البلع وهجرع الكثير الجرع فزيادة الهاء تنبّه على المبالغة في هذين المعنيين وقال قوم : هما أصلان. وقد زيدت ثانية في أهراق ؛ لأن أصل الكلمة من راق يريق والدليل عليه قولهم : تريّق الماء تردّده على وجه الأرض وهو من الياء إذ لو كان من الواو لقالوا تروّق الماء تردّده وقال قوم هو من الواو من راق يروق إذا ضفا وهو لازم فإذا أردت تعديته زدت عليه الهمزة فقلت : أرقته مثل بات وأبتّه فإذا قالوا : أهرقته فقد زادوا الهاء ، ومنهم من يقول : هرقت الماء فالهاء هنا بدل من الهمزة ، فإذا بنيت منه اسم فاعل قلت على الأوّل فهو مهريق والمفعول مهراق فالهمزة محذوفة والهاء تحرّكت كما كانت في الفعل ، ونظيره من الصحيح : أكرم إذا زدت عليه الهاء قلت : أهكرم فهو مهكرم والأصل مؤهكرم فأمّا من أبدل الهمزة هاء فقال هراق فاسم الفاعل مهريق وأصله مثل مؤريق ثم نقلت حركة الياء إلى الرّاء وسكّنت الهاء فهو مثل مقيم في الأصل من أقام إذ لو جعلت مكان الهمزة هاء فقلت : مهقيم فأثبت الهاء ولم تحذفها كما حذفت الهمزة ؛ لأن العلّة في حذف الهمزة ما نذكره في الحذف ، وذلك مخصوص بها دون بدلها.
وقد زيدت الهاء في أمّهات والأصل أمّ على فعل ؛ ولذلك قلت : أمّ بيّنة الأمومة وأمّ كلّ شيئ أصله ومنه قيل لمكّة : أمّ القرى ، ورئيس القوم : أمّهم وزيادة الهاء في أمّهات الناس للفرق بينها وبين أمّات البهائم ، وقد جاء بغير هاء في الناس فقال : [المتقارب]
فرجت الظّلام بأمّاتكا