باب الخطّ
اعلم أنّ الحاجة الى ذكر هذا الباب : أنّ الكتّاب اصطلحوا على كتابة حروف ليست في اللفظ وحذف ما هو في اللفظ وعلى قطع ما يمكن وصله ووصل ما يمكن قطعه ، فهذه أربعة أقسام ينشعب منها أكثر من ذلك ، وقد ذهب جماعة من أهل اللغة الى كتاب الكلمة على لفظها إلّا في خطّ المصحف فإنّهم اتّبعوا في ذلك ما وجدوه في الإمام والعمل على الأوّل (١).
__________________
(١) الخط تصوير اللفظ بحروف هجائه التي ينطق بها ، وذلك بأن يطابق المكتوب المنطوق به من الحروف.
والأصل في كل كلمة أن تكتب بصورة لفظها ، بتقدير الإبتداء بها والوقف عليها. وهذا أصل معتبر بالكتابة.
ومن أجل ذلك كتبوا همزات الوصل في درج الكلام ، وإن لم ينطق بها ، لأنه إذا ابتديء بالكلمات ، التي هي أولها ، نطق بهمزاتها ، مثل جاء الحقّ ، وسافر ابنك» ، فإنك ، إن قدّمت وأخرت ، فقلت «الحقّ جاء ، ابنك سافر» ، نطقت بالهمزة إلّا إذا سبقت «أل» لام الجرّ او لام الإبتداء ، فتحذف همزتها ، مثل «للرّجل ، للمرأة ، للرّجل أقوى من المرأة ، وللمرأة أرقّ عاطفة منه».
وكتبوا هاء السكت في نحو «ره زيدا ، وقه نفسك» ، لأنك في الوقف تقول «ره وقه».
وكتبوا ألف «أنا» ، مع أنها لا تلفظ في درج الكلام ، لأنها إذا وقف عليها ، وقف عليها بالألف. ومن ذلك قوله تعالى (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي ،) لأن اصله «لكن أنا».
وكتبوا تاء التأنيث ، التي يوقف عليها بالهاء ، هاء كرحمة وفاطمة ، وكتبوا التي يوقف عليها بالتاء ، تاء كأخت وبنت ورحمات وفاطمات. ومن وقف على الأول بالتاء المبسوطة ، كتبها بالتاء كرحمت وفاطمت ومن وقف على الأخرى بالهاء ، كتبها بالهاء كرحماه وفاطماه.
وكتبوا المنوّن المنصوب بالألف ، لأنه يوقف عليه بها ، مثل «رأيت خالدا».
وكتبوا «إذا» ، ونون التوكيد الخفيفة كاكتبا ، بالألف ، لأنه يوقف عليها. ومن وقف عليهما بالنون ، كتبهما بالنون ، مثل «إذن واكتبنّ» كتب كلّ ما كتب اعتبارا بحال الوقف.
وكتبوا المنقوص ، الذي حذفت ياؤه للتنوين كقاض ونحوه ، بغير ياء ، لأنه يوقف عليه بها. ومن وقف على الأوّل بالياء ، أثبتها في الخط كقاضي ومن وقف على الثاني بحذفها ، حذفها من الخط كالقاض. والأول أفصح.
كما مرّ في باب الوقف.
وكتبوا ما لا يمكن الوقف عليه ، من الكلمات ، متصلا بما بعده ، وما لا يمكن الابتداء به ، متصلا بما قبله فالأول كحروف الجرّ الموضوعة على حرف مواحد ، مثل «لخالد ، وبالقلم. والثاني كالضمائر المتّصلة ، مثل «منكم ، وأكرمتكم».
أما الحروف التي تقع في الحشو (أي ما بين الابتداء والوقف) فترسم كما تلفظ ، لا يغيّر من ذلك شيء ، إلا ما كان من أمر بعض الأحرف ، في بعض كلمات محصورة ، قد خالف رسمها لفظها.