باب ما يعمل من المصادر عمل الفعل
فصل : كلّ مصدر صحّ تقديره ب (أن والفعل) عمل عمل فعله المشتقّ منه ، وإنّما كان كذلك ؛ لأنه يشبه الفعل في أنّ حروفه فيه ، وأنّه يشاركه في الدلالة على الحدث ، وأنّه يكون للأزمنة الثلاثة ، فإن لم يحس تقديره بأن والفعل لم يعمل ؛ لأن الأصل في العمل للفعل ، وإذا لم يصحّ تقدير الاسم بالفعل بطل شبهه به ، والذي لا يقدر بأن والفعل المصدر المؤكد نحو : ضربت ضربا ، فأما قولك : (ضربا زيدا) فالعمل للفعل المقدر الناصب للمصدر ، وربّما وقع في كلام بعض النحوييّن : أنّ (ضربا) هذا هو العامل ، وذلك تجوّز من قائله.
فصل : ويعمل المصدر وإنّ لم يعتمد بخلاف اسم الفاعل ؛ لأنه قوي بكونه أصلا للفعل وأنّه موصوف لا وصف (١).
__________________
(١) يعمل المصدر عمل فعله تعدّيا ولزوما.
فإن كان فعله لازما ، احتاج إلى الفاعل فقط ، نحو «يعجبني اجتهاد سعيد».
وإن كان متعدّيا احتاج إلى فاعل ومفعول به. فهو يتعدّى إلى ما يتعدّى إليه فعله ، إمّا بنفسه ، نحو «ساءني عصيانك أباك» ، وإمّا بحرف الجرّ ، نحو «ساءني مرورك بمواضع الشّبهة». واعلم أن المصدر لا يعمل عمل الفعل لشبهه به ، بل لأنه أصله.
ويجوز حذف فاعله من غير أن يتحمّل ضميره ، نحو «سرّني تكريم العاملين». ولا يجوز ذلك في الفعل ، لأنه إن لم يبرز فاعله كان ضميرا مستترا ، كما تقدّم في باب الفاعل.
ويجوز حذف مفعوله ، كقوله تعالى (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ ،) أي استغفار إبراهيم ربّه لأبيه.
وهو يعمل عمل فعله مضافا ، أو مجرّدا من «أل» والإضافة ، أو معرّفا بأل ، فالأول كقوله تعالى (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) والثاني كقوله عزوجل (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ.) والثالث إعماله قليل ، كقول الشاعر
لقد علمت أولى المغيرة أنّني |
|
كررت ، فلم أنكل عن الضّرب مسمعا |
وشرط لإعمال المصدر أن يكون نائبا عن فعله ، نحو «ضربا اللصّ» ، أو أن يصحّ حلول الفعل مصحوبا بأن أو «ما» المصدريتين محلّه. ؛ فإذا قلت «سرّني فهمك الدّرس» ، صحّ أن تقول «سرّني أن تفهم الدرس». وإذا قلت «يسرّني عملك الخير» ، صحّ أن تقول «يسرّني أن تعمل الخير». وإذا قلت «يعجبني قولك الحقّ الآن» ، صحّ أن تقول «يعجبني ما تقول الحقّ الآن». غير أنه إذا أريد به المضيّ أو الاستقبال قدّر بأن ، وإذا أريد به الحال قدّر بما ، كما رأيت. ـ