باب (ما)
القياس ألا تعمل (ما) ؛ لأنها غير مختّصة فهي كحرف الاستفهام والعطف وغيرهما ؛ ولهذا لم يعملها بنو تميم ، وإنّما أعملها أهل الحجاز لشبهها ب (ليس) وهي تشبهها في أربعة أشياء : النفي ، ونفي ما في الحال ، ودخولها على المبتدأ والخبر ، ودخول الباء في خبرها ، وقد تقرّر أنّ الشيء إذا أشبه غيره من وجهين فصاعدا حمل عليه ما لم يفسد المعنى ، ومنه باب ما لا ينصرف ولمّا أشبهتها عملت في المبتدأ والخبر ك (ليس) ، وقال الكوفيّون : خبرها منصوب بحذف حرف الجرّ ، وهذا فاسد لثلاثة أوجه :
أحدها : أنّ هذا يقتضي أنّ حرف الجرّ فيه أصل ، وليس كذلك.
والثاني : أنّ هذا هذا إيجاب العمل بالعدم.
والثالث : أنّ حرف الجرّ تحذف في مواضع ولا يجب النصب كقولك : بحسبك قول السوء ، وكفى بالله شهيدا ، وما جاءني من أحد.
فصل : وإنّما بطل عملها بدخول (إلا) لزوال شبهها ب (ليس) إذا كان الكلام يعود إلى الإثبات ، ولم يبطل عمل (ليس) بإلا ؛ لأنها أصل فأمّا قول الشاعر : [الطويل]
وما الدهر إلا منجنونا (١) بأهله |
|
وما صاحب الحاجات إلا معذّبا |
ففيه وجهان :
أحدهما : أنّ المنصوب مفعول به والخبر محذوف تقديره : إلا يشبه منجنونا وهو الدولاب في دورانه وإلا يشبه معذّبا.
والثاني : أنّ (منجنونا) و (معذّبا) منصوبان نصب المصادر ونائبان عن فعل تقديره : إلا يدور دورانا وإلا يعذب تعذيبا.
__________________
(١) قال أبو الحسن اللحياني : المنجنون هي التي تدور ، جعلها مؤنثة.
وأما قول عمرو بن أحمر :
ثمل رمته المنجنون بسهمها
فإنّ أبا الفضل أخبرني عن شيخ من أهل الأدب ، سمع أبا سعيد المكفوف يقول : هو الدهر في بيت أحمر.
قال أبو الفضل : المنجنون الدّولاب ، وأنشد :
ومنجنون كالأتان الفارق