باب الجوازم (١)
الجزم في اللغة القطع فلذلك كان في الكلام حذف الحركة أو ما قام مقامها.
فصل : إنّما أعملت لم ؛ لأنها اختصّت وإنما جزمت لثلاثة أوجه :
أحدها : أنّ الفعل في نفسه ثقيل ولم تنقله إلى زمن غير زمن لفظه فيزداد ثقلا فناسب أن يكون عملها الحذف.
والثاني : أنّها تشبه إن الشرطية من حيث أنّها تنقل الفعل من زمان إلى زمان فجزمت كما تجزم إن.
__________________
(١) الجوازم. وهي قسمان. قسم يجزم فعلا واحدا ، نحو «لا تيأس من رحمة الله» ، وقسم يجزم فعلين ، نحو «مهما تفعل تسأل عنه».
وجزمه إما لفظيّ ، إن كان معربا ، كما مثّل ، وإما محلي ، إن كان مبنيّا ، نحو «لا تشتغلنّ بغير النافع».
الجازم فعلا واحدا : أربعة أحرف وهي «لم ولما ولام الأمر ولا الناهية» وإليك شرحها :
لم ولما تسمّيان حرفي نفي وجزمّ وقلب ، لأنهما تنفيان المضارع ، وتجزمانه ، وتقلبان زمانه من الحال أو الاستقبال الى المضيّ ، فإن قلت «لم أكتب» أو «لمّا أكتب» ، كان المعنى أنك ما كتبت فيما مضى.
والفرق بين «لم ولمّا» من أربعة أوجه :
١ ـ أنّ «لم» للنفي المطلق ، فلا يجب استمرار نفي مصحوبها إلى الحال ، بل يجوز الاستمرار ، كقوله تعالى (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) ويجوز عدمه ، ولذلك يصحّ أن تقول «لم أفعل ثمّ فعلت».
وأما «لمّا» فهي للنفي المستغرق جميع أجزاء الزمان الماضي ، حتى يتصل بالحال ، ولذلك لا يصحّ أن تقول «لمّا أفعل ثم فعلت» ، لأنّ معنى قولك «لمّا أفعل» أنك لم تفعل حتى الآن ، وقولك «ثم فعلت» يناقض ذلك.
لهذا تسمّى «حرف استغراق» أيضا لأن النفي بها يستغرق الزمان الماضي كله.
٢ ـ أن المنفي لم لا يتوقّع حصوله ، والمنفيّ بلمّا متوقّع الحصول ، فإذا قلت «لمّا أسافر» فسفرك منتظر.
٣ ـ يجوز وقوع «لم» بعد أداة شرط ، نحو «إن لم تجتهد تندم». ولا يجوز وقوع «لمّا» بعدها.
٤ ـ يجوز حذف مجزوم «لمّا» ، نحو «قاربت المدينة ولمّا» ، أي «لو ما أدخلها». ولا يجوز ذلك في مجزوم «لم» ، إلا في الضرورة ، كقول الشاعر :
احفظ وديعتك التي استودعتها |
|
يوم الأعازب ، ان وصلت وان لم |
أي «وإن لم تصل» ويروى «إن وصلت» بالمجهول ، فيكون التقدير (وإن لم توصل) ، قال العينيّ وهو الصواب.
ولام الأمر يطلب بها إحداث فعل ، نحو (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ.)
ولا الناهية يطلب بها تركه ، نحو (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ ، وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ ، فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً.)