باب التوكيد
التوكيد (١) : تمكين المعنى في النفس ويقال : توكيد وتأكيد ووكّد وأكّد وبالواو جاء القرآن : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) [النحل : ٩١] ولفظه على ضربين :
أحدهما : إعادة الأوّل بعينه ويكون ذلك في الأسماء والأفعال والحروف والجمل.
والثاني : غير لفظ الأوّل ولكن في معناه.
فصل : والغرض من ذكره إزالة الاتساع ، وذلك أنّ الاسم قد ينسب إليه الخبر ويراد به غيره مجازا كقولك : جاءني زيد ؛ فإنه قد يراد جاءني غلامه أو كتابه ، ومنه عمر السلطان دارا أو حفر نهرا ، أي : أصحابه بأمره ؛ فإذا قلت : جاء زيد نفسه كان هو الجائي حقيقة ، وقد يذكر العامّ ويراد به الخاص كقوله تعالى : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) [آل عمران : ١٧٣] والمراد بعضهم ؛ فإذا قلت : (قال الناس كلهم) لم يحتمل بعضهم.
فصل : ويؤكد الواحد بلفظين : (نفسه) و (عينه) وهما عبارتان عن حقيقة ويوكد الاثنان ب (كلا) و (كلتا) والجمع ب (كلّهم) و (أجمع) و (أجمعين) و (جمعاء) و (جمع) ؛ لأن هذه الألفاظ موضوعة لحصر أجزاء الشيء والإحاطة بها فما لا يتجزأ لا تدخل عليه لعدم معناها فيه ألا ترى أنّك لو قلت كتب زيد كلّه أو أجمع لم يكن له معنى كما يكون في قولهم : كتب القوم كلّهم.
فصل : ولا تؤكّد النكرات وأجازه الكوفيّون.
وحجّة الأوّلين من وجهين :
أحدهما : أنّ التوكيد كالوصف وألفاظه معارف والنكرة لا توصف بالمعرفة.
والثاني : أنّ النكرة لا تثبت لها في النفس عين تحتمل الحقيقة والمجاز فيفرق بالتوكيد بينهما بخلاف المعرفة ، ألا ترى أنّك لو قلت : جاءني رجل لم يحتمل أن تفسّره بكتاب رجل ؛ لأن المجاز في هذا الاستعمال لا يغلب حتّى يدفع بالتوكيد بخلاف لفظة : (القوم) فإنّه يغلب استعمالها في الأكثر ؛ فإذا أردت الجميع أكّدت لرفع المجاز الغالب ، ومثل ذلك الاستثناء فإنّه دخل الكلام ليرفع حمل لفظ العموم على الاستغراق ؛ لأنه يستعمل فيه غالبا.
__________________
(١) التّوكيد (أو التأكيد) تكرير يراد به تثبيت أمر المكرّر في نفس السامع ، نحو «جاء عليّ نفسه» ، ونحو «جاء عليّ عليّ».