باب ما حذف على خلاف القياس
اعلم أنّ هذا الباب يقتصر فيه على المسموع ولا يقاس إذ لا علّة تقتضي الحذف فيطّرد وهذا الحذف يكون في الحروف والحركات فالحروف عشرة أوّلها الهمزة ، وقد حذفت فاء وعينا ولاما ، فالفاء قد حذفت في مواضع :
الأوّل قولهم : من أكل وأخذ وأمر كل وخذ ومر والأصل اأكل فالهمزة الأولى وصل.
والثانية : فاء الكلمة إلّا أنّهم حذفوا الثانية تخفيفا لثقل الجمع بين الهمزتين ، وكان القياس قلب الثانية واوا لسكونها وانضمام ما قبلها ، وقد جاء أومر غير حذف على الأصل فأمّا مع واو العطف فلم يأت إلا على الأصل كقوله تعالى : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ) [طه : ١٣٢] ، وأمّا أختاها فبالحذف على كلّ حال فأمّا أجر يأجر وأسس يؤسس فلا يحذف فيه وفي أمثاله البتة بل تقول أؤجره وأوسس ؛ لأن السّماع لم يرد إلّا في الامثلة الثّلاثة ولا علّة تجوّز ذلك.
الموضع الثاني : ناس والأصل عند سيبويه أناس فعال من الإنس فحذفت الهمزة تخفيفا فوزن ناس على هذا عال ولا تكاد تستعمل إلّا بالألف واللّام كأنّهما عوض من المحذوف.
وقال آخرون : لا حذف في ناس بل هو فعل من ناس ينوس نوسا إذا تحرّك فالنّاس يتحركون في مراداتهم ولا يكاد أناس يستعمل بالألف واللام ، وقد جاء ذلك قليلا قال الشاعر : [مجزوء الكامل]
إنّ المنايا يطّلعن |
|
على الأناس الآمنينا |
الموضع الثالث : قولهم في إيت من أتى إذا جاءت قال الشاعر : [الطويل]
ت لي آل زيد واندهم لي جماعة |
|
وسل آل زيد أيّ شيء يضيرها |
والوجه في ذلك أنّه شبّه الهمزة التي هي فاء الكلمة بالواو في وفى إذ كانت الهمزة تقلب إلى الواو نحو : صحراوات والواو إلى الهمزة ، نحو : أجوه فكما تحذف الفاء واللام هناك في الأمر كذلك تحذف الهمزة والياء هنا ، وقيل : شبّهه ب (كلّ) وفيه بعد.
الموضع الرّابع اسم الله تبارك وتعالى ، وفي أصله قولان :
أحدهما : لاه ثم أدخلت عليه الألف واللّام وفخّمت اللّام إلّا أن ينكسر ما قبلها ولا حذف فيه على هذا.