أحدهما : أنّ حذف الزائد أولى إذا لم يخلّ حذفه بمعنى وهنا لا يخلّ بمعنى إذ ليس في اللفظ فرق بين الحذفين ، وإنّما ذلك أمر تقديري حكميّ والمعنى مفهوم على التقديرين جميعا فإبقاء الاصليّ على هذا أولى.
والوجه الثاني : أنّ الأصل في هذا المثال أن تدلّ الميم وحدها مع حركة العين على معنى المفعول كما في اسم الفاعل نحو : مقيم ومكرم فكذلك يجب أن يكون في مفعول وإنّما قصدوا بالواو الفرق بين الثلاثي والرباعي نحو : مكرم ومضروب ، والفرق حاصل بينهما سواء حذفت الأصليّ أو الزائد ويقوّى ذلك أن المحذوف لو كان الأصليّ لقلت مبوع إذ لا حاجة إلى قلب الواو ياء إذ كان في قلب الواو ياء حذف أصل وقلب زائد وفي حذف الزائد إقرار الاصليّ فكان أولى ، وإذا تقررت هذه القاعدة فإنّ الحذف على مذهب سيبويه أن تحذف الزائد وتنقل حركة الواو إلى القاف فوزنه مفعل بضم الفاء وإسكان العين وعلى قول الأخفش نقلت ضمة الواو الأولى إلى القاف فاجتمع ساكنان فحذفت الأولى ، وأمّا في مبيع فإنّ ضمّة الياء تقلب العين فاجتمعت الواو والياء ساكنين فحذفت الواو وكسرت العين لئلّا تنقلب الياء واوا لسكونها وانضمام ما قبلها ، وحجّة الأخفش : أنّ الزّائد دخل لمعنى فكان ما قبله المحذوف كياء المنقوص وألف المقصور إذا نوّنا ، وما ذكرناه في حجّة الأوّلين جواب عن هذه الشبهة.
فصل : ومثل هذه المسألة الاستعانة والإرادة ؛ لأن الأصل فيهما استعوانة وإروادة ؛ لأنّهما مصدر استفعل وأفعل ونظيره من الصحيح استقبالة وإقبالة إلّا أنّ الواو تحركت وانفتح ما قبلها في الأصل فقلبت ألفا فاجتمعت ألفان فحذفت الثّانية عند سيبويه والأولى عند أبي الحسن وعليهما ما تقدم وجعلت الهاء عوضا من المحذوف ، وقد جاءت مع الإضافة بغير هاء كقوله تعالى : (وَأَقامَ الصَّلاةَ) فكان المضاف إليه عوضا من الهاء أو من المحذوف.