باب ما يجوز في ضرورة الشعر (١)
اعلم أن ضرورة إقامة الوزن تدعو إلى جواز ما تمهّد في القواعد الكلية خلافه ؛ ولذلك جاز للشاعر زيادة كلمات يقوّم بها الوزن وحذف شيء ليصحّح كما قال لبيد : [الكامل]
درس المنا بمتالع فأبان
يريد المنازل. وقال العجاج : [الرجز]
قواطنا مكّة من ورق الحمي
يريد الحمام ، وسنذكر في هذا الباب ما يجوز للشاعر عند الضرورة مفصّلا إن شاء الله تعالى.
واعلم أنّ معظم ما يجوز في ضرورة الشعر يرجع إلى أصل قد رجح عليه أصل آخر فالشّاعر يحاول ذلك الأصل المتروك عند الضرورة.
فصل : فمن ذلك صرف ما لا ينصرف ، وقد ذكرناه في بابه وكذلك ترك صرف ما ينصرف.
فصل : ويجوز للشاعر قصر الممدود مطلقا ، وقال الفرّاء : لا يجوز إلا إذا كان له بعد القصر نظير في الأبنية.
وحجّة الأوّلين : أنّ القصر جاز للضّرورة وهو حذف الزائد والرجوع إلى الأصل فسوّي فيه بين ما له نظير وما لا نظير له.
واحتجّ الفرّاء بأن الضرورة تردّ إلى أصل وجوابه من وجهين :
__________________
(١) هناك حالات أخرى يتعذر فيها مجئ الضمير متصلا ؛ فيجئ منفصلا وجوبا. وتسمى حالات الانفصال الواجب. وأشهرها :
١ ـ ضرورة الشعر ؛ مثل قول الشاعر يتحدث عن قومه :
وما أصاحب من قوم فأذكرهم |
|
إلا يزيدهم حبّا إلىّ هم |
٢ ـ تقديم الضمير على عامله لداع بلاغى ، كالحصر (القصر) والضمير المتصل لا يمكن أن يتقدم بنفسه على عامله ؛ فيحل محلّه المنفصل الذى بمعناه. ففى مثل : نسبحك ، ونخافك يا رب العالمين ـ لا نستطيع عند الحصر أن نقدم الكاف وحدها ، لذلك نأتى بضمير منصوب بمعناها ، وهو : «إياك» فنقول : إياك نسبح ، وإياك نخاف.