تقول في : (دحرج) : (أدحرجته) والعلّة في ذلك : أنّ الهمزة لمّا أحدثت معنى التعدّي صارت كحرف من الفعل أصليّ ، وليس فى الأفعال ما هو على خمسة أحرف أصول لما في ذلك من الثقل وكثرة أمثلة الفعل ؛ ولهذا لم يكن في الرباعي حرف إلحاق وكان في الثلاثيّ مثل : (جلبب) فأمّا قولهم : ما أعطاه للمال وأولاه للخير وأفقره إلى كذا!! وما أشبه فإنّه على أربعة أحرف غير همزة التعديّ إلا أنّ حرفا منها زائد كالهمزة في : (أعطى وأولى) فحذفوها فبقي : (عطى) و (ولى) ولهما معنى ، فلمّا أرادوا التعجّبّ حذفوا الهمزة التى كانت قبل ذلك وجعلوا همزة التعجّب عوضا عنها ، وأمّا (أفقر) فلا يستعمل منه : (فقر) ولكن : (افتقر) إلا أنّ الأصل يستعمل ؛ لأنه قد جاء الفاعل منه : (فقير) فهو مثل : (ظرف) وظريف) فلّمّا تعجبوا منه أخرجوه على الأصل.
وإنّما لم يتعجّب من الألوان ؛ لأن الأصل فيها أن تكون على أكثر من ثلاثة أحرف نحو : (أبيضّ) و (أحمرّ) ومثل ذلك لا يعدّى بالهمزة.
وقال الكوفيّون : يجوز فى البياض والسواد لأنهما أصلا الألوان ، وقد جاء فى الشعر : (أبيضهم) و (أبيض من كذا) و (أسود من كذا) وهذا مذهب ضعيف لما تقدّم ، وجعل البياض والسواد أصلين دعوى لا دليل عليها ، ولو صحتّ لم يستقم قولهم فيها وما جاء في الشعر فهو إمّا شاذّ أو يكون : (منه) التي بعده صفة له أو يكون : (أفعل) لا يراد به المبالغة.
فصل : ولا يبنى فعل التعجبّ من العيوب الظاهرة كالحول والعور لوجهين :
أحدهما : أن فعل هذه العيوب في الأصل زائد على ثلاثة أحرف نحو : (أحولّ) و (أعورّ) فلا يصحّ زيادة همزة التعجّبّ عليه ، وما جاء منه على ثلاثة أحرف فمعدول به عن أصله ؛ ولهذا يصحّ فيه الواو نحو : (حول) تنبيها على أنّه في حكم : (أحولّ) وما جاء منه ثلاثيا لا غير نحو : (عمي) فمحمول على الباقي.
والوجه الثاني : أنّ العيوب الظاهرة كالخلق الثابتة كاليد والرجل وكما لا يبنى من هذه الأعضاء فعل التعجّب كذلك العيوب الظاهرة.
أمّا العيوب الباطنة كعمى القلب والحماقة فيبنى منها فعل التعجّب نحو : ما أعمى قلبه! وما أحمره! تريد البلادة ، وكذلك : ما أسوده! تريد السيادة.