أحدهما : أنّ الاشتقاق يوجد من جهة المعاني والتصريف لا من باب العامل والمعمول.
والثاني : أنّ الحرف يعمل في الاسم ، وليس الحرف مشتّقا من الاسم ، وكذلك الفعل يعمل في الأعلام والأجناس التي ليست مصادر ، ولا يقال : هي مشتقّة منه.
فصل : وإنّما سمّي المصدر مفعولا مطلقا لوجهين :
أحدهما : أنّه المفعول على التحقيق ألا ترى أنّ قولك : (ضربت) أي : أوجدت الضرب بخلاف قولك : ضربت زيدا ، فإنك لم توجد زيدا ، وإنّما أوجدت به فعلا.
والثاني : أنّ لفظ المصدر مجرّد عن حرف جرّ فلا يقال : (به) ولا (فيه) ولا (له) ولا (معه) ، وإنّما كان كذلك ؛ لأنه لو قيل لك : ـ وقد ضربت مثلا ـ ما فعلت؟ قلت : الضرب ، وإذا قيل لك : بمن أوقعت الضرب؟ قلت : بزيد. فقيّدته بالباء ، ولو قيل : في أيّ زمان؟ أو في أيّ مكان؟ لقلت : في يوم كذا ، وفي مكان كذا ، ولو قيل : لأيّ غرض؟ لقيل : لكذا وكذا ، فقد رأيت كيف تقيّدت هذه المفاعيل بالحروف ما عدا المصدر.
فصل : والمصدر يذكر لأحد أربعة أشياء :
أحدها : توكيد الفعل كقولك : ضربت ، ف (ضربا) نائب عن قولك : (ضربت) مّرة أخرى ؛ لأن التوكيد يكون بتنكير اللفظ ، وإنّما عدلوا إلى المصدر كراهية إعادة اللفظ بعينه ؛ لأن الفعل الثاني جملة والمصدر ليس بجملة فكان أخصر وأبعد من التنكير.
والثاني : أن يذكر لبيان النوع كقولك : ضربت ضربا شديدا ، ذكرت : (ضربا) لتصفه بالشدّة التي يدلّ عليها الفعل.
والثالث : أن يذكر لتبيين العدد ويحتاج في ذلك إلى زيادة على المصدر وتلك الزيادة : (تاء التأنيث) نحو قولك : ضربت ضربة ، فإنّ التاء تدلّ على المرة ، وهنا يثنّى ويجمع نحو : ضربتين وضربات ؛ لأن لفظ الفعل لا يدلّ على العدد فذكر المصدر لتحصيل هذه الزيادة.
والرابع : أن يذكر المصدر لينوب عن الحال كقولك : قتلته صبرا ، أي : مصبورا أو محبوسا ويذكر في باب الحال بالباء.
فصل : وتقوم الآلة مقام المصدر كقولك : ضربته سوطا ، ف (سوط) هنا اسم للضربة بالسوط ، وإنّما جاز ذلك لم بين الفعل والآلة من الملابسة وحصل من هذا شيئان الاختصار