والتنبيه على أنّ الفعل كان بالآلة المخصوصة ، ولو لا ذلك لقلت : ضربته ضربة بسوط ، وليس السوط ههنا منصوبا على تقدير حذف حرف الجرّ لثلاثة أوجه :
أحدها : أنّ حذف الحرف ليس بقياس.
والثاني : أن في قولك : (سوطا) دلالة على المرّة الواحدة ، ألا ترى أنّك تقول : ضربته أسواطا ، ولو كانت الباء مرادة لم تدلّ على ذلك.
والثالث : أنّك تقول : ضربته مائة سوط ، ولا تريد مائة ضربة بسوط ؛ إذ لو أردت ذلك لكان المعنى : أنّ جميع الضربات بآلة واحدة ، وليس المعنى عليه ، بل يقول : ضربته مائة سوط ، وإن كانت كلّ ضربة بآلة غير الآلة الأخرى.
فصل : والعدد المضاف إلى المصدر ينتصب نصب المصدر كقولك : ضربته ثلاث ضربات ، لما بين العدد والمعدود من الملابسه والاتّصال ، وكذلك صفة المصدر إذا أضيفت إليه كقولك : سرت أشدّ السير ؛ لأن الصفه هي الموصوف في المعنى وإنما قدّمت لتدلّ على المبالغه.
فصل : ولا يثنّى المصدر ولا يجمع ما دام جنسا لدلالته على جميع أنواع الحدث ، وإنّما يثنّى ويجمع ما لا يدلّ واحده إلا على مقدار واحد ، فإن اختلفت أنواعه ثني وجمع ؛ لأن كلّ نوع منها متّميّز عن الآخر بصفه تخصّه فيصير بمنزلة أسماء الأعلام ، وكذلك إن زيد فيه : (تاء التأنيث) كالضربة ؛ فإنه يدلّ على الواحد لا غير ؛ فإذا وجدت فيه أعداد احتيج إلى ما يدلّ عليها (١).
__________________
(١) ينوب عن المصدر ـ فيعطى حكمه في كونه منصوبا على أنه مفعول مطلق ـ اثنا عشر شيئا
١ ـ اسم المصدر ، نحو «أعطيتك عطاء» ، و «اغتسلت غسلا» و «كلّمتك كلاما» و «سلّمت سلاما».
٢ ـ صفته ، نحو «سرت أحسن السير» و (اذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً).
٣ ـ ضميره العائد اليه ، نحو «اجتهدت اجتهادا لم يجتهده غيري». ومنه قوله تعالى (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ.)
٤ ـ مرادفه ـ بأن يكون من غير لفظه ، مع تقارب المعنى ـ نحو «شنئت الكسلان بغضا». و «قمت وقوفا» و «رضته إذلالا» و «أعجبني الشي حبا» ، وقال الشاعر
يعجبه السّخون والبرود |
|
والتّمر ، حبّا ما له مزيد |
٥ ـ مصدر يلاقيه في الاشتقاق ، كقوله تعالى (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) وقوله (تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً.)
٦ ـ ما يدلّ على نوعه ، نحو «رجع القهقرى» و «قعد القرفصاء» و «جلس الاحتباء» و «اشتمل الصّمّاء». ـ