فصل : والأصل في : (كأنّ زيدا الأسد) أنّ زيدا كالأسد ثمّ قدّموا (الكاف) فأدخلوها على (أنّ) ليبتدئوا بالمشبه ، وهو أولى من أن يبتدئوا بما لفظه لفظ التحقيق ثم يعود التشبيه إليه بعد ذلك ، ولمّا كانت كاف الجرّ تفتح لها (أنّ) كما تفتح بعد غيرها من حروف الجرّ فتحت ههنا وإن كانت قد ركّبت معها وجعلتا كحرف واحد تنبيها على الأصل الذي ذكرت ، إلا أنّها تفارق الكاف الجارّة في شيئين :
أحدهما : أنّها غير معلّقة بفعل فلا موضع لها ولما بعدها إذن.
والثاني : أنّ ما بعد الكاف ليس بمجرور الموضع كما يكون بعد اللام في قولك ؛ لأن زيدا منطلق ولأنّها لمّا ركّبت وصار المهّم معنى التشبيه في الخبر صارت قائمة بنفسها.
فصل : و (لكنّ) مفردة. وقال الكوفيّون : هي مركّبة من : (لا) و (إن) و (الكاف) زائدة و (الهمزة) محذوفة وهذا ضعيف جدّا ؛ لأن التركيب خلاف الأصل ثمّ هو في الحروف أبعد ثمّ إنّ فيه أمرين آخرين يزيدانه بعدا وهما زيادة الكاف في وسط الكلمة ، وحذف الهمزة في مثل هذا يحتاج إلى دليل قطعيّ (١).
فإن قالوا : معنى النفي والتأكيد باق لأنّك إذا قلت : قام زيد لكنّ جعفرا منطلق حصل معنى التأكيد والنفي؟
__________________
إن الأمين ـ إذا استعان بخائن |
|
كان الأمين شريكه فى المأثم |
فلو تقدم هذا الخبر لم تعمل ، بل لم يكن الأسلوب صحيحا. وهذا الشرط يقتضى عدم تقدمه على الناسخ من باب أولى.
أما إذا كان الخبر غير مفرد وغير جملة ، بأن كان شبه جملة : (ظرفا أو جارا مع مجروره). فيجوز أن يتقدم على الاسم فقط ، فيتوسطه بينه وبين الناسخ عند عدم وجود مانع ، نحو ؛ إن فى السماء عبرة ، وإن فى دراستها عجائب.
(١) «لكنّ» فيجوز تخفيف نونها المشددة (فتحذف الثانية المفتوحة ، وتبقى الأولى ساكنة).
ويترتب على التخفيف وجوب إهمالها ، وزوال اختصاصها بالجملة الاسمية ؛ فتدخل على الاسمية ، وعلى الفعلية ، وعلى المفرد ، ويبقى لها معناها بعد التخفيف وهو : الاستدراك. ومن الأمثلة قول الشاعر :
ولست أجازى المعتدى باعتدائه |
|
ولكن بصفح القادر المتحلم |