وقرأ بعض القرّاء : (وإن كلا لما ليوفيّنهم ربّك أعمالهم) بتخفيف النون ونصب : (كلّ) ولا يجوز أن يكون بمعنى : (ما) وأن ينصب : (كلا) بفعل مقدّر لأنّك إن قدّرته من جنس المذكور بعدها فسد المعنى ؛ لأنه يصير : (ما يوفّي كلّا أعمالهم) وإن قدرته من غير جنسه لم يكن لتقدير القسم هنا موضع ؛ لأن أحسن ما يقدّر به : (ما نهمل كلّا) على أنّ (لمّا) لا تكون بمعنى : (إلا) في غير القسم.
وإن كانت المخفّفة من الثقيلة وأضمرت عاملا غير : (ما) لم يصحّ لوجهين :
أحدهما : أنّ (أنّ) قد توهنت بالحذف فلا توهّن بحذف الفعل أيضا.
والثاني : أنّ المخففّة إذا وليها الفعل وحذف اسمها لا يخلو من عوض والعوض هو : (قد والسين وسوف ولم ولا وليس).
ويدلّ على جوازه ايضا أنّ المثقّلة مشتبهّه بالفعل ، وقد عمل الفعل بعد تخفيفه بالحذف كقولك : لم يك ولا أدر ولم أبل وقال الكوفيّون لا يجوز أن تعمل بعد التخفيف لضعفها ، وقد دللنا على الجواز ويكفي في ضعفها جواز إبطال عملها لا وجوبه فأمّا قول الشاعر (١) : [الطويل]
فيوما توافينا بوجه مقسّم |
|
كأنّ ظبية تعطو إلى وارف السلم |
فيروى بالرفع مع الإلغاء ، والتقدير : كأنّها ظبية ، وبالنصب على الإعمال والخبر محذوف ، أي : كأن ظبية هذه المرأة وبالجرّ على زيادة (أن) والجرّ بكاف التشبيه.
__________________
(١) البيت من شعر علباء بن أرقم : وهو علباء بن أرقم بن عوف بن سعد بن عجل بن عتيك بن يشكر بن بكر وائل. شاعر جاهلي كان معاصرا للنعمان بن المنذر. له شعر في الأصمعيات.