وقال الكوفيّون : ليس له ذلك في أفعل منك.
وحجّة الأوّلين : أنّه اسم معرب نكرة فجاز للشاعر صرفه كبقيّة الأسماء التي لا تنصرف.
واحتجّ الآخرون بأنّ منك تجري مجرى الألف واللام والإضافة ؛ ولذلك ينوبان عن من فكما لا تنوّن مع الألف واللام والإضافة لا تنون مع من.
والجواب : أنّ ذلك لا يصحّ ؛ لأن من ، وإن خصّصت ولكن بعض التخصيص والاسم بعد ذلك نكرة بخلاف الألف واللام والإضافة.
مسألة : يجوز للشاعر ترك صرف ما ينصرف للضرورة ومنعه المبرّد.
واحتجّ الأوّلون بقول العبّاس بن مرداس (١) : [المتقارب]
وما كان حصن ولا حابس |
|
يفوقان مرداس في مجمع |
وبأنّ التنوين زائد دالّ على خفّة الاسم وبالتعريف يحدث له نوع ثقل فلذلك جاز له إجراء السبب مجرى السببين ويدلّ عليه أنّ الشاعر يجري الوصل مجرى الوقف حتّى إنّه يصل الاسم المؤنّث بالهاء كما يقف عليه فلأن يجوز له حذف التنوين وإبقاء الحركة أولى والمبرّد يروي البيت :
يفوقان شيخي في مجمع
وما رواه سيبويه ثابت في الرواية فلا طريق إلى إنكاره.
__________________
(١) العباس بن مرداس : (١٨ ه / ٦٣٩ م) وهو العباس بن مرداس بن أبي عامر السلمي ، من مضر ، أبو الهيثم.
شاعر فارس ، من سادات قومه ، أمّه الخنساء الشاعرة. أدرك الجاهلية والإسلام ، وأسلم قبيل فتح مكة ، وكان من المؤلفة قلوبهم ويدعى فارس العبيد ، وهو فرسه ، وكان بدويا قحا ، لم يسكن مكة ولا المدينة وإذا حضر الغزو مع النبي صلىاللهعليهوسلم ، لم يلبث بعده أن يعود إلى منازل قومه وكان ينزل في بادية البصرة وبيته في عقيقها ، وهو واد مما يلي سفوان ، وأكثر من زيارة البصرة ، وقيل : قدم دمشق وابتنى بها دارا.
وكان ممن ذمّ الخمر وحرّمها في الجاهلية. مات في خلافة عمر.