ومجيء التفريع من المتكلم على ما هو من كلام المخاطب فيه إلزام بالحجة كالفاءات في قوله تعالى : (قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) [الحجر : ٣٤] وقوله (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ* إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ* قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [ص : ٧٩ ـ ٨٢] ، وقوله : (فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ* لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) [ص : ٨٤ ـ ٨٥] ؛ فهذه خمس فاءات كل فاء منها هي تفريع من المتكلم بها على كلام غيره. وقد تقدم ذلك في العطف بالواو عند قوله تعالى : (قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) في سورة البقرة [١٢٤].
واستعمال الذوق بمعنى مطلق الإحساس مجاز مرسل تقدم عند قوله تعالى : (لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ) في سورة العقود [٩٥]. ومفعول (ذوقوا) محذوف دل عليه السياق ، أي فذوقوا ما أنتم فيه مما دعاكم إلى أن تسألوا الرجوع إلى الدنيا.
والنسيان الأول : الإهمال والإضاعة ، وتقدم في قوله تعالى (فَنَسِيَ) في سورة طه [٨٨].
والباء للسببية ، أي : بسبب إهمالكم الاستعداد لهذا اليوم. والنسيان في قوله (نَسِيناكُمْ) مستعمل في الحرمان من الكرامة مع المشاكلة.
واللقاء : حقيقته العثور على ذات ، فمنه لقاء الرجل غيره وتجيء منه الملاقاة ، ومنه : لقاء المرء ضالة أو نحوها. وقد جاء منه : شيء لقى ، أي مطروح. ولقاء اليوم في هذه الآية مجاز في حلول اليوم ووجوده على غير ترقب كأنه عثر عليه.
وإضافة (يوم) إلى ضمير المخاطبين تهكم بهم لأنهم كانوا ينكرونه فلما تحققوه جعل كأنه أشد اختصاصا بهم على طريقة الاستعارة التهكمية لأن اليوم إذا أضيف إلى القوم أو الجماعة إذا كان يوم انتصار لهم على عدوهم قال السموأل :
وأيامنا مشهورة في عدوّنا |
|
لها غرر معلومة وحجول |
ويقولون : أيام بني فلان على بني فلان ، أي أيام انتصارهم. وسبب ذلك أن تقدير الإضافة على معنى اللام وهي تفيد الاختصاص المنتزع من الملك ، قال عمرو بن كلثوم :
وأيّام لنا غرّ طوال
وقال تعالى : (ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُ) [النبأ : ٣٩] ، أي : يوم نصر المؤمنين على المشركين في الآخرة نصرا مؤبّدا ، أي ليس كأيامكم في الدنيا التي هي أيام نصر زائل.