إِسْرائِيلَ (٢٣))
لما جرى ذكر إعراض المشركين عن آيات الله وهي آيات القرآن في قوله (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها) [السجدة : ٢٢] ، استطرد إلى تسلية النبيصلىاللهعليهوسلم بأن ما لقي من قومه هو نظير ما لقيه موسى من قوم فرعون الذين أرسل إليهم فالخبر مستعمل في التسلية بالتنظير والتمثيل. فهذه الجملة وما بعدها إلى قوله (فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [السجدة : ٢٥] معترضات. وموقع التأكيد بلام القسم وحرف التحقيق هو ما استعمل فيه الخبر من التسلية لا لأصل الأخبار لأنه أمر لا يحتاج إلى التأكيد ، وبه تظهر رشاقة الاعتراض بتفريع (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ) على الخبر الذي قبله.
وأريد بقوله (آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) أرسلنا موسى ، فذكر إيتائه الكتاب كناية عن إرساله ، وإدماج ذكر (الْكِتابَ) للتنويه بشأن موسى وليس داخلا في تنظير حال الرسولصلىاللهعليهوسلم بحال موسى عليهالسلام في تكذيب قومه إياه لأن موسى لم يكذبه قومه ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) الآيات ، وليتأتى من وفرة المعاني في هذه الآية ما لا يتأتى بدون ذكر (الْكِتابَ).
وجملة (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ) معترضة وهو اعتراض بالفاء ، ومثله وارد كثيرا في الكلام كما تقدم عند قوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما) الآية في سورة النساء [١٣٥]. ويأتي عند قوله تعالى : (هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) في سورة ص [٥٧].
والمرية : الشك والتردد. وحرف الظرفية مجاز في شدة الملابسة ، أي لا يكن الشك محيطا بك ومتمكنا منك ، أي لا تكن ممتريا في أنك مثله سينالك ما ناله من قومه.
والخطاب يجوز أن يكون للنبي صلىاللهعليهوسلم ، فالنهي مستعمل في طلب الدوام على انتفاء الشك فهو نهي مقصود منه التثبيت كقوله (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ) [هود : ١٠٩] ، وليس لطلب إحداث انكفاف عن المرية لأنها لم تقع من قبل.
واللقاء : اسم مصدر لقي وهو الغالب في الاستعمال دون لقى الذي هو المصدر القياسي. واللقاء : مصادفة فاعل هذا الفعل مفعوله ، ويطلق مجازا على الإصابة كما يقال : لقيت عناء ، ولقيت عرق القربة ، وهو هنا مجاز ، أي لا تكن في مرية في أن يصيبك ما أصابه ، وضمير الغائب عائد إلى موسى. واللقاء مصدر مضاف إلى فاعله ، أي مما لقي