الله لهم فإن الله بين لهم ذلك وذكّرهم بمصارع المكذبين ، وتكون جملة (كَمْ أَهْلَكْنا) على هذا استئنافا ، وتقدم (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) في أول الأنعام [٦].
ونيط الاستدلال هنا بالكثرة التي أفادتها (كَمْ) الخبرية لأن تكرر حدوث القرون وزوالها أقوى دلالة من مشاهدة آثار أمة واحدة.
و (يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) حال من فاعل (أَوَلَمْ يَرَوْا) [السجدة : ٢٧] والمعنى: أنهم يمرون على المواضع التي فيها بقايا مساكنهم مثل حجر ثمود وديار مدين فتعضد مشاهدة مساكنهم الأخبار الواردة عن استئصالهم وهي دلائل إمكان البعث كما قال تعالى : (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ* عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ) [الواقعة : ٦٠ ، ٦١] ، ودلائل ما يحيق بالمكذبين للرسل ؛ وفي كل أمة وموطن دلائل كثيرة متماثلة أو متخالفة.
ولما كان الذي يؤثر من أخبار تلك الأمم وتقلبات أحوالها وزوال قوتها ورفاهيتها أشدّ دلالة وموعظة للمشركين فرع عليه (أَفَلا يَسْمَعُونَ) استفهاما تقريريا مشوبا بتوبيخ لأن اجتلاب المضارع وهو (يَسْمَعُونَ) مؤذن بأن استماع أخبار تلك الأمم متكرر متجدد فيكون التوبيخ على الإقرار المستفهم عنه أوقع بخلاف ما بعده من قوله (أَفَلا يُبْصِرُونَ) [السجدة : ٢٧]. وقد شاع توجيه الاستفهام التقريري إلى المنفي ، وتقدم عند قوله تعالى (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) في سورة الأنعام [١٣٠] ، وقوله : (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ) في سورة الأعراف [١٤٨].
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (٢٧))
عطف على (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) [السجدة : ٢٦]. ونيط الاستدلال هنا بالرؤية لأن إحياء الأرض بعد موتها ثم إخراج النبت منها دلالة مشاهدة. واختير المضارع في قوله (نَسُوقُ) لاستحضار الصورة العجيبة الدالة على القدرة الباهرة.
والسّوق : إزجاء الماشي من ورائه.
و (الْماءَ) : ماء المزن ، وسوقه إلى الأرض هو سوق السحاب الحاملة إياه بالرياح التي تنقل السحاب من جوّ إلى جوّ ؛ فشبهت هيئة الرياح والسحاب بهيئة السائق للدابة. والتعريف في (الْأَرْضِ) تعريف الجنس.