نقول : عام دخول التتار بغداد ، ولذلك فالدخول في قوله : (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ) هو دخول الغزو فيتعين أن يكون ضمير (دُخِلَتْ) عائدا إلى مدينة يثرب لا إلى البيوت من قولهم (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) [الأحزاب : ١٣] ، والمعنى : لو غزيت المدينة من جوانبها إلخ ...
وقوله (عَلَيْهِمْ) يتعلق ب (دُخِلَتْ) لأن بناء (دُخِلَتْ) للنائب مقتض فاعلا محذوفا. فالمراد : دخول الداخلين على أهل المدينة كما جاء على الأصل في قوله (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ) في سورة العقود [٢٣].
والأقطار : جمع قطر ـ بضم القاف وسكون الطاء ـ وهو الناحية من المكان. وإضافة (أقطار) وهو جمع تفيد العموم ، أي : من جميع جوانب المدينة وذلك أشد هجوم العدوّ على المدينة كقوله تعالى : (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) [الأحزاب : ١٠]. وأسند فعل (دُخِلَتْ) إلى المجهول لظهور أن فاعل الدخول قوم غزاة. وقد أبدى المفسرون في كيفية نظم هذه الآية احتمالات متفاوتة في معاني الكلمات وفي حاصل المعنى المراد ، وأقربها ما قاله ابن عطية على غموض فيه ، ويليه ما في «الكشاف». والذي ينبغي التفسير به أن تكون جملة (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ) في موضع الحال من ضمير (يُرِيدُونَ) [الأحزاب : ١٣] أو من ضمير (وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ) زيادة في تكذيب قولهم (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) [الأحزاب : ١٣].
والضمير المستتر في (دُخِلَتْ) عائد إلى المدينة لأن إضافة الأقطار يناسب المدن والمواطن ولا يناسب البيوت. فيصير المعنى : لو دخل الغزاة عليهم المدينة وهم قاطنون فيها.
و (ثُمَ) للترتيب الرتبي ، وكان مقتضى الظاهر أن يعطف بالواو لا ب (ثُمَ) لأن المذكور بعد (ثُمَ) هنا داخل في فعل شرط (لَوْ) ووارد عليه جوابها ، فعدل عن الواو إلى (ثُمَ) للتنبيه على أن ما بعد (ثُمَ) أهم من الذي قبلها كشأن (ثُمَ) في عطف الجمل ، أي : أنهم مع ذلك يأتون الفتنة ، و (الْفِتْنَةَ) هي أن يفتنوا المسلمين ، أي : الكيد لهم وإلقاء التخاذل في جيش المسلمين. ومن المفسرين من فسّر الفتنة بالشرك ولا وجه له ومنهم من فسرها بالقتال وهو بعيد.
والإتيان : القدوم إلى مكان. وقد أشعر هذا الفعل بأنهم يخرجون من المدينة التي كانوا فيها ليفتنوا المسلمين ، وضمير النصب في أتوها عائد إلى (الْفِتْنَةَ) والمراد مكانها وهو مكان المسلمين ، أي لأتوا مكانها ومظنتها. وضمير (بِها) للفتنة ، والباء للتعدية.
وجملة (وَما تَلَبَّثُوا بِها) عطف على جملة (لَآتَوْها). والتلبّث : اللبث ، أي :