الجملة المضاف إليها (يَوْمَ) التي يدل عليها (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [الروم : ١١] بذكر جملة أخرى هي في معناها لتزيد الإرجاع بيانا أنه إرجاع الناس إليه يوم تقوم الساعة ، فهو إطناب لأجل البيان وزيادة التهويل لما يقتضيه إسناد القيام إلى الساعة من المباغتة والرعب. ويدل لهذا القصد تكرير هذا الظرف في الآية بعدها بهذا الإطناب. وشاع إطلاق (السَّاعَةُ) على وقت الحشر والحساب. وأصل الساعة : المقدار من الزمن ، ويتعين تحديده بالإضافة أو التعريف.
والإبلاس : سكون بحيرة. يقال : أبلس ، إذا لم يجد مخرجا من شدة هو فيها. وتقدم عند قوله تعالى (إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) في سورة المؤمنين [٧٧].
و (الْمُجْرِمُونَ) : المشركون ، وهم الذين أجريت عليهم ضمائر الغيبة وضمائر الخطاب بقرينة قوله (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ).
والإظهار في مقام الإضمار لإجراء وصف الإجرام عليهم وكان مقتضى الظاهر أنه يقال : تبلسون ، بالخطاب أو بياء الغيبة. ووصفوا بالإجرام لتحقير دين الشرك وأنه مشتمل على إجرام كبير. وقد ذكر أحد أسباب الإبلاس وأعظمها حينئذ وهو أنهم لم يجدوا شفعاء من آلهتهم التي أشركوا بها وكانوا يحسبونها شفعاء عند الله ، فلما نظروا وقلبوا النظر فلم يجدوا شفعاء خابوا وخسئوا وأبلسوا ، ولهم أسباب خيبة أخرى لم يتعلق الغرض بذكرها. وأما ما ينالهم من العذاب فذلك حالة يأس لا حالة إبلاس. و (مِنْ) تبعيضية ، وليس الكلام من قبيل التجريد.
ونفي فعل (يَكُنْ) ب (لَمْ) التي تخلص المضارع للمضي للإشارة إلى تحقيق حصول هذا النفي مثل قوله (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل : ١].
ومقابلة ضمير الجمع بصيغة جمع الشركاء من باب التوزيع ، أي لم يكن لأحد من المجرمين أحد شفيع فضلا عن عدة شفعاء.
وكذلك قوله (وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ) لأن المراد أنهم يكفرون بهم يوم تقوم الساعة كقوله تعالى (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) [العنكبوت : ٢٥].
وكتب في المصحف شفعؤا بواو بعد العين وألف بعد الواو ، أرادوا بالجمع بين الواو والألف أن ينبهوا على أن الهمزة مضمومة ليعلم أن (شُفَعاءُ) اسم (كان) وأن ليس اسمها قوله (مِنْ شُرَكائِهِمْ) بتوهم أن (مِنْ) اسم بمعنى بعض ، أو أنها مزيدة في النفي ،