تفاصيلها.
والمغفرة : عدم المؤاخذة بما فرط من الذنوب ، وقد تقدمت في قوله تعالى : (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) في سورة الأعراف [٢٣]. واعلم أن عطف الصفات بالواو المفيد مجرد التشريك في الحكم دون حرفي الترتيب : الفاء وثم ، شأنه أن يكون الحكم المذكور معه ثابتا لكل واحد اتصف بوصف من الأوصاف المشتق منها موصوفه لأن أصل العطف بالواو أن يدل على مغايرة المعطوفات في الذات ، فإذا قلت : وجدت فيهم الكريم والشجاع والشاعر كان المعنى : أنك وجدت فيهم ثلاثة أناس كل واحد منهم موصوف بصفة من المذكورات. وفي الحديث : «فإن منهم المريض والضعيف وذا الحاجة» أي أصحاب المرض والضعف والحاجة ، بخلاف العطف بالفاء كقوله تعالى : (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا* فَالزَّاجِراتِ زَجْراً* فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) [الصافات : ١ ـ ٣] فإن الأوصاف المذكورة في تلك الآية ثابتة لموصوف واحد. ولهذا فحقّ جملة (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) أن تكون خبرا في المعنى عن كل واحد من المتعاطفات فكأنه قيل : إن المسلمين أعدّ الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ، إن المسلمات أعدّ الله لهن مغفرة وأجرا عظيما ، وهكذا. والفعل الواقع في جملة الخبر وهو فعل (أَعَدَّ) قد تعدى إلى مفعول ومعطوف على المفعول فصحة الإخبار به عن كل واحد من الموصوفات المتعاطفات باعتبار المعطوف على مفعوله واضحة لأن الأجر العظيم يصلح لأن يعطى لكل واحد ويقبل التفاوت فيكون لكل من أصحاب تلك الأوصاف أجره على اتصافه به ويكون أجر بعضهم أوفر من أجر بعض آخر.
وأما صحة الإخبار بفعل (أَعَدَّ) عن كل واحد من المتعاطفات باعتبار المفعول وهو (مَغْفِرَةً) فيمنع منه ما جاء من دلائل الكتاب والسنة الدالة على أن الذنوب الكبيرة التي فرطت لا يضمن غفرانها للمذنبين إلا بشرط التوبة من المذنب وعدا من الله بقوله : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأنعام : ٥٤]. وألحقت السنة بموجبات المغفرة الحجّ المبرور والجهاد في سبيل الله وأشياء أخرى.
والوجه في تفسير ذلك عندي : أن تحمل كل صفة من هذه الصفات على عدم ما يعارضها مما يوجب التبعة ، أي سلامته من التلبس بالكبائر حملا أراعي فيه الجري على سنن القرآن في مثل مقام الثناء والتنويه بالمسلمين من اعتبار حال كمال الإسلام كقوله :