الأوصاف التي وصف بها آنفا فهو كالفذلكة وكالتذييل.
ووصف السراج ب (مُنِيراً) مع أن الإنارة من لوازم السراج هو كوصف الشيء بالوصف المشتق من لفظه في قوله : شعر شاعر ، وليل أليل لإفادة قوة معنى الاسم في الموصوف به الخاص فإن هدى النبي صلىاللهعليهوسلم هو أوضح الهدى. وإرشاده أبلغ إرشاد.
روى البخاري في كتاب «التفسير» من صحيحه في الكلام على سورة الفتح عن عطاء بن يسار أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : «إن هذه الآية التي في القرآن : يا أيها النبي (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) قال في التوراة : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأمّيين ، أنت عبدي ورسولي سمّيتك المتوكّل ليس بفظّ ولا غليظ ولا صخّاب في الأسواق ، ولا يدفع السيّئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح (أو ويغفر) ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتح (أو فيفتح) به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفاء» ا ه.
وقول عبد الله بن عمرو «في التوراة» يعني بالتوراة : أسفار التوراة وما معها من أسفار الأنبياء إذ لا يوجد مثل ذلك فيما رأيت من الأسفار الخمسة الأصليّة من التوراة. وهذا الذي حدث به عبد الله بن عمرو ورأيت مقاربه في سفر النبي أشعياء من الكتب المعبر عنها بالتوراة تغليبا وهي الكتب المسماة بالعهد القديم ؛ وذلك في الإصحاح الثاني والأربعين منه بتغيير قليل (أحسب أنه من اختلاف الترجمة أو من تفسيرات بعض الأحبار وتأويلاتهم) ، ففي الإصحاح الثاني والأربعين منه «هو ذا عبدي الذي أعضده مختاري الذي سرّت به نفسي ، وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم ، لا يصيح ولا يرفع ولا يسمع في الشارع صوته ، قصبة مرضوضة لا تقصف ، وفتيلة خامدة لا تطفأ ، إلى الأمان يخرج الحق ، لا يكلّ ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض وتنتظر الجزائر (١) شريعته أنا الرب قد دعوتك بالبر فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهدا للشعب ونورا للأمم لنفتح عيون العمي لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن ، الجالسين في الظلمة ، أنا الرب هذا اسمي ومجدي لا أعطيه لآخر».
__________________
(١) الجزائر : جزيرة العرب ، لقوله في هذا السفر في هذا «الإصحاح» : «والجزائر وسكانها لترفع البرية ومدنها صوتها الديار التي سكنها (قيدار)» فإن قيدار اسم ابن إسماعيل كما في سفر التكوين. فأراد : نسل قيدار وهم الإسماعيليون وهم الأميون.