صباحاه (كلمة ينادي بها من يطلب النجدة) فاجتمعوا إليه فقال : أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلا تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدّقيّ؟ قالوا : نعم. قال : فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد». فهذا يشير إلى تمثيل الحالة التي استخلصها بقوله : (فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد). وما في (بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ) من معنى التقريب.
وشمل اسم النذير جوامع ما في الشريعة من النواهي والعقوبات وهو قسم الاجتناب من قسمي التقوى فإن المنهيات متضمنة مفاسد فهي مقتضية تخويف المقدمين على فعلها من سوء الحال في العاجل والآجل.
والداعي إلى الله هو الذي يدعو الناس إلى ترك عبادة غير الله ويدعوهم إلى اتباع ما يأمرهم به الله. وأصل دعاه إلى فلان : أنه دعاه إلى الحضور عنده ، يقال : ادع فلانا إليَّ. ولما علم أن الله تعالى منزه عن جهة يحضرها الناس عنده تعين أن معنى الدعاء إليه الدعاء إلى ترك الاعتراف بغيره (كما يقولون : أبو مسلم الخراساني يدعو إلى الرضى من آل البيت) فشمل هذا الوصف أصول الاعتقاد في شريعة الإسلام مما يتعلق بصفات الله لأن دعوة الله دعوة إلى معرفته وما يتعلق بصفات الدعاة إليه من الأنبياء والرسل والكتب المنزلة عليهم.
وزيادة (بِإِذْنِهِ) ليفيد أن الله أرسله داعيا إليه ويسّر له الدعاء إليه مع ثقل أمر هذا الدعاء وعظم خطره وهو ما كان استشعره النبي صلىاللهعليهوسلم في مبدأ الوحي من الخشية إلى أن أنزل عليه (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ) [المدثر : ١ ، ٢] ، ومثله قوله تعالى لموسى : (لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) [طه : ٦٨] ، فهذا إذن خاص وهو الإذن بعد الإحجام المقتضي للتيسير ، فأطلق اسم الإذن على التيسير على وجه المجاز المرسل. ونظيره قوله تعالى خطابا لعيسى عليهالسلام : (وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي) [المائدة : ١١٠] وقوله حكاية عن عيسى (فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ) طائرا (بِإِذْنِ اللهِ) [آل عمران : ٤٩].
وقوله (وَسِراجاً مُنِيراً) تشبيه بليغ بطريق الحالية وهو طريق جميل ، أي أرسلناك كالسراج المنير في الهداية الواضحة التي لا لبس فيها والتي لا تترك للباطل شبهة إلا فضحتها وأوقفت الناس على دخائلها ، كما يضيء السراج الوقّاد ظلمة المكان. وهذا الوصف يشمل ما جاء به النبي صلىاللهعليهوسلم من البيان وإيضاح الاستدلال وانقشاع ما كان قبله في الأديان من مسالك للتبديل والتحريف فشمل ما في الشريعة من أصول الاستنباط والتفقه في الدين والعلم ، فإن العلم يشبّه بالنور فناسبه السراج المنير. وهذا وصف شامل لجميع