اختلجوا دوني فأقول : يا رب أصيحابي أصيحابي. فيقال لي : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول تبّا وسحقا لمن أحدث بعدي» يعني : أحدثوا الكفر وهم أهل الردة كما في بعض روايات الحديث : «إنهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم». فلا جرم كان وصف الشاهد أشمل هذه الأوصاف للرسول صلىاللهعليهوسلم بوصف كونه رسولا لهذه الأمة ، وبوصف كونه خاتما للشرائع ومتمّما لمراد الله من بعثة الرسل.
والمبشر : المخبر بالبشرى والبشارة. وهي الحادث المسرّ لمن يخبر به والوعد بالعطية ، والنبي صلىاللهعليهوسلم مبشر لأهل الإيمان والمطيعين بمراتب فوزهم. وقد تضمن هذا الوصف ما اشتملت عليه الشريعة من الدعاء إلى الخير من الأوامر وهو قسم الامتثال من قسمي التقوى ، فإن التقوى امتثال المأمورات واجتناب المنهيات ، والمأمورات متضمنة المصالح فهي مقتضية بشارة فاعليها بحسن الحال في العاجل والآجل.
وقدمت البشارة على النذارة لأن النبي صلىاللهعليهوسلم غلب عليه التبشير لأنه رحمة للعالمين ، ولكثرة عدد المؤمنين في أمته.
والنذير : مشتق من الإنذار وهو الإخبار بحلول حادث مسيء أو قرب حلوله ، والنبي عليه الصلاة والسلام منذر للذين يخالفون عن دينه من كافرين به ومن أهل العصيان بمتفاوت مؤاخذتهم على عملهم.
وانتصب (شاهِداً) على الحال من كاف الخطاب وهي حال مقدرة ، أي أرسلناك مقدّرا أن تكون شاهدا على الرسل والأمم في الدنيا والآخرة. ومثّل سيبويه للحال المقدرة بقوله : مررت برجل معه صقر صائدا به.
وجيء في جانب النذارة بصيغة فعيل دون اسم الفاعل لإرادة الاسم فإن النذير في كلامهم اسم للمخبر بحلول العدو بديار القوم. ومن الأمثال : أنا النذير العريان ، أي الآتي بخبر حلول العدوّ بديار قوم. والمراد بالعريان أنه ينزع عنه قميصه ليشير به من مكان مرتفع فيراه من لا يسمع نداءه ، فالوصف بنذير تمثيل بحال نذير القوم كما قال : (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) [سبأ : ٤٦] للإيماء إلى تحقيق ما أنذرهم به حتى كأنه قد حلّ بهم وكأنّ المخبر عنه مخبر عن أمر قد وقع ، وهذا لا يؤديه إلا اسم النذير ، ولذلك كثر في القرآن الوصف بالنذير وقلّ الوصف بمنذر. وفي الصحيح : أن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم لما أنزل عليه : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء : ٢١٤] خرج حتى صعد الصفا ، فنادى : يا