«بشيرا» قد أخذ متعلّقه فقد صار هذا ناظرا إلى قوله : (وَنَذِيراً) [الأحزاب : ٤٥].
وقوله : (وَدَعْ أَذاهُمْ) يجوز أن يكون فعل (دَعْ) مرادا به أن لا يعاقبهم فيكون (دَعْ) مستعملا في حقيقته وتكون إضافة أذاهم من إضافة المصدر إلى مفعوله ، أي دع أذاك إياهم. ويجوز أن يكون (دَعْ) مستعملا مجازا في عدم الاكتراث وعدم الاغتمام ، فما يقولونه مما يؤذي ويكون إضافة أذاهم من إضافة المصدر إلى فاعله ، أي لا تكترث بما يصدر منهم من أذى إليك فإنك أجلّ من الاهتمام بذلك ، وهذا من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه. وأكثر المفسرين اقتصروا على هذا الاحتمال الأخير. والوجه : الحمل على كلا المعنيين ، فيكون الأمر بترك أذاهم صادقا بالإعراض عما يؤذون به النبيصلىاللهعليهوسلم من أقوالهم ، وصادقا بالكف عن الإضرار بهم ، أي أن يترفع النبي صلىاللهعليهوسلم عن مؤاخذتهم على ما يصدر منهم في شأنه ، وهذا إعراض عن أذى خاص لا عموم له ، فهو بمنزلة المعرف بلام العهد ، فليست آيات القتال بناسخة له.
وهذا يقتضي أنه يترك أذاهم ويكلهم إلى عقاب آجل وذلك من معنى قوله : (شاهِداً) [الأحزاب : ٤٥] لأنه يشهد عليهم بذلك كقوله : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ* وَأَبْصِرْهُمْ) [الصافات : ١٧٤ ـ ١٧٥].
والتوكل : الاعتماد وتفويض التدبير إلى الله. وقد تقدم عند قوله تعالى : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) في سورة آل عمران [١٥٩] وقوله : (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) في سورة العقود [٢٣] ، أي اعتمد على الله في تبليغ الرسالة وفي كفايته إياك شر عدوك ، فهذا ناظر إلى قوله : (وَداعِياً إِلَى اللهِ) [الأحزاب : ٤٦].
وقوله : (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) تذييل لجملة (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ).
والمعنى : فإن الله هو الوكيل الكافي في الوكالة ، أي المجزي من توكّل عليه ما وكله عليه فالباء تأكيد ، وتقدم قوله : (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) في سورة النساء [٨١]. والتقدير : كفى الله و (وَكِيلاً) تمييز.
فقد جاءت هذه الجمل الطلبية مقابلة وناظرة للجمل الإخبارية من قوله : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً) إلى (وَسِراجاً مُنِيراً) [الأحزاب : ٤٥ ، ٤٦] فقوله : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [الأحزاب : ٤٧] ناظرا إلى قوله : (وَمُبَشِّراً) [الأحزاب : ٤٥].
وقوله : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) ناظر إلى قوله : (وَنَذِيراً) [الأحزاب : ٤٥] لأنه جاء في