تلك العدة بالمراجعة. ولعل مالكا نظر إلى أن المسيس بعد المراجعة قد يخفى أمره بخلاف البناء بالزوجة في النكاح فلعله إنما أوجب استئناف العدة لهذه التهمة احتياطا للأنساب. وقال عطاء بن أبي رباح والشافعي في أحد قوليه وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي والحسن وأبو قلابة وقتادة والزهري : تبني على عدتها الأولى التي راجعها فيها لأن طلاقه بعد المراجعة ودون أن يمسها بمنزلة إرداف طلاق ثان على المرأة وهي في عدتها فإن الطلاق المردف لا اعتداد له بخصوصه. ونسب القرطبي إلى داود الظاهري أنه قال : المطلقة الرجعية إذا راجعها زوجها قبل أن تنقضي عدّتها ثم فارقها قبل أن يمسها إنه ليس عليها أن تتمّ عدتها ولا عدة مستقبلة لأنها مطلقة قبل الدخول بها ا ه. وهو غريب ، وكلام ابن حزم في «المحلّى» صريح في أنها تبتدئ العدة فلعله من قول ابن حزم وليس مذهب داود ، وكيف لو راجعها بعد يوم أو يومين من تطليقها فبما ذا تعرف براءة رحمها.
وفاء التفريع في قوله : (فَمَتِّعُوهُنَ) لأن حكم التمتيع مقرّر من سورة البقرة [٢٣٦] في قوله : (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) إلخ. والمتعة : عطية يعطيها الزوج للمرأة إذا طلقها. وقد تقدم قوله تعالى : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) [البقرة : ٢٣٦] فلذلك جيء بالأمر بالتمتيع مفرعا على الطلاق قبل المسيس.
وقد جعل الله التمتيع جبرا لخاطر المرأة المنكسر بالطلاق وتقدم في سورة البقرة أن المتعة حق للمطلقة سواء سمي لها صداق أم لم يسم بحكم آية سورة الأحزاب لأن الله أمر بالتمتيع للمطلقة قبل البناء مطلقا فكان عمومها في الأحوال كعمومها في الذوات ، وليست آية البقرة بمعارضة لهذه الآية إذ ليس فيها تقييد بشرط يقتضي تخصيص المتعة بالتي لم يسم لها صداق لأنها نازلة في رفع الحرج عن الطلاق قبل البناء وقبل تسمية الصداق ، ثم أمرت بالمتعة لتينك المطلقتين فالجمع بين الآيتين ممكن.
والسراح الجميل : هو الخلي عن الأذى والإضرار ومنع الحقوق.
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللاَّتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ