وتعليق الحكم في العدّة بالمؤمنات جرى على الغالب لأن نساء المؤمنين يومئذ لم يكنّ إلا مؤمنات وليس فيهن كتابيات فينسحب هذا الحكم على الكتابية كما شملها حكم الاعتداد إذا وقع مسيسها بطرق القياس.
والمس والمسيس : كناية عن الوطء ، كما سمي ملامسة في قوله : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) [النساء : ٤٣].
والعدّة بكسر العين : هي في الأصل اسم هيئة من العدّ بفتح العين وهو الحساب فأطلقت العدّة على الشيء المعدود ، يقال : جاء عدة رجال ، وقال تعالى : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة [١٨٤]. وغلب إطلاق هذا اللفظ في لسان الشرع على المدة المحددة لانتظار المرأة زواجا ثانيا ، لأن انتظارها مدة معدودة الأزمان إما بالتعيين وإما بما يحدث فيها من طهر أو وضع حمل فصار اسم جنس ولذلك دخلت عليه (مِنْ) التي تدخل على النكرة المنفية لإفادة العموم ، أي فما لكم عليهن من جنس العدة.
والخطاب في (لَكُمْ) للأزواج الذين نكحوا المؤمنات. وجعلت العدة لهم ، أي لأجلهم لأن المقصد منها راجع إلى نفع الأزواج بحفظ أنسابهم ولأنهم يملكون مراجعة الأزواج ما دمن في مدة العدّة كما أشار إليه قوله تعالى : (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) [الطلاق : ١]. وقوله : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً) [البقرة : ٢٢٨]. ومع ذلك هي حق أوجبه الشرع ، فلو رام الزوج إسقاط العدّة عن المطلقة لم يكن له ذلك لأن ما تتضمنه العدّة من حفظ النسب مقصد من أصول مقاصد التشريع فلا يسقط بالإسقاط.
ومعنى : (تَعْتَدُّونَها) تعدّونها عليهن ، أي تعدّون أيّامها عليهن ، كما يقال : اعتدت المرأة ، إذا قضت أيام عدّتها.
فصيغة الافتعال ليست للمطاوعة ولكنها بمعنى الفعل مثل : اضطرّ إلى كذا. ومحاولة حمل صيغة المطاوعة على معروف معناها تكلف.
ويشبه هذا من راجع المعتدة في مدة عدّتها ثم طلقها قبل أن يمسّها فإن المراجعة تشبه النكاح وليست عينه إذ لا تفتقر إلى إيجاب وقبول. وقد اختلف الفقهاء في اعتدادها من ذلك الطلاق ، فقال مالك والشافعي في أحد قوليه وجمهور الفقهاء : إنها تنشئ عدة مستقبلة من يوم طلقها بعد المراجعة ولا تبني على عدّتها التي كانت فيها لأن الزوج نقض