«الصنف الأول» : ما ملكت يمينه مما أفاء الله عليه ، أي مما أعطاه الله من الفيء ، وهو ما ناله المسلمون من العدوّ بغير قتال ولكن تركه العدو ، أو مما أعطي للنبيصلىاللهعليهوسلم مثل مارية القبطية أمّ ابنه إبراهيم فقد أفاءها الله عليه إذ وهبها إليه المقوقس صاحب مصر ، وإنما وهبها إليه هدية لمكان نبوءته فكانت بمنزلة الفيء لأنها ما لوحظ فيها إلا قصد المسالمة من جهة الجوار ، إذ لم تكن له مع الرسول صلىاللهعليهوسلم سابق صحبة ولا معرفة ، والمعروف أن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يتسرّ غير مارية القبطية. وقيل : إنه تسرى جارية أخرى وهبتها له زوجه زينب ابنة جحش ولم يثبت. وقيل أيضا : إنه تسرى ريحانة من سبي قريظة اصطفاها لنفسه ولا تشملها هذه الآية لأنها ليست من الفيء ولكن من المغنم إلا أن يراد ب (مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ) المعنى الأعم للفيء وهو ما يشمل الغنيمة. وهذا الحكم يشركه فيه كثير من الأمة من كل من أعطاه أميره شيئا من الفيء ، كما قال تعالى : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) [الحشر : ٧] فمن أعطاه الأمير من هؤلاء الأصناف أمة من الفيء حلّت له.
وقوله : (مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ) وصف لما ملكت يمينك وهو هنا وصف كاشف لأن المراد به مارية القبطية ، أو هي وريحانة إن ثبت أنّه تسراها.
«الصنف الثاني» : نساء من قريب قرابته صلىاللهعليهوسلم من جهة أبيه أو من جهة أمه مؤمنات مهاجرات. وأغنى قوله : (هاجَرْنَ مَعَكَ) عن وصف الإيمان لأن الهجرة لا تكون إلا بعد الإيمان ، فأباح الله للنبي عليه الصلاة والسلام أن يتزوج من يشاء من نساء هذا الصنف بعقد النكاح المعروف ، فليس له أن يتزوج في المستقبل امرأة من غير هذا الصنف المشروط بشرط القرابة بالعمومة أو الخئولة وشرط الهجرة. وعندي : أن الوصفين ببنات عمه وعمّاته وبنات خاله وخالاته ، وبأنهن هاجرن معه غير مقصود بهما الاحتراز عمن لسن كذلك ولكنه وصف كاشف مسوق للتنويه بشأنهن.
وخص هؤلاء النسوة من عموم المنع تكريما لشأن القرابة والهجرة التي هي بمنزلة القرابة لقوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) [الأنفال : ٧٢]. وحكم الهجرة انقضى بفتح مكة. وهذا الحكم يتجاذبه الخصوصية للرسول صلىاللهعليهوسلم والتعميم لأمته ، فالمرأة التي تستوفي هذا الوصف يجوز للرسول عليه الصلاة والسلام ولأمته الذين تكون لهم قرابة بالمرأة كهذه القرابة تزوج أمثالها ، والمرأة التي لم تستوف هذا الوصف لا يجوز للرسول عليه الصلاة والسلام تزوجها ، وهو الذي درج عليه