لم يتزوج واحدة بعد نزول هذه الآية ، وذلك إرجاء العمل بالإذن فيهن إلى غير أجل معين.
وكذلك إرجاء الصنف الرابع اللاء وهبن أنفسهن ، سواء كان ذلك واقعا بعد نزول الآية أم كان بعضه بعد نزولها فإرجاؤهن عدم قبول نكاح الواهبة ، عبر عنه بالإرجاء إبقاء على أملها أن يقبلها في المستقبل ، وإيواؤهن قبول هبتهن.
قرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم وأبو جعفر وخلف (تُرْجِي) بالياء التحتية في آخره مخفّف (ترجئ) المهموز. وقرأه ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم ويعقوب ترجئ بالهمز في آخره. وقال الزجاج : الهمز أجود وأكثر. والمعنى واحد.
واتفق الرواة على أن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يستعمل مع أزواجه ما أبيح له أخذا منه بأفضل الأخلاق ، فكان يعدل في القسم بين نسائه ، إلّا أن سودة وهبت يومها لعائشة طلبا لمسرّة رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وأما قوله : (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ) فهذا لبيان أن هذا التخيير لا يوجب استمرار ما أخذ به من الطرفين المخيّر بينهما ، أي لا يكون عمله بالعزل لازم الدوام بمنزلة الظهار والإيلاء ، بل أذن الله أن يرجع إلى من يعزلها منهن ، فصرح هنا بأن الإرجاء شامل للعزل.
ففي الكلام جملة مقدرة دل عليها قوله : (ابْتَغَيْتَ) إذ هو يقتضي أنه ابتغى إبطال عزلها ، فمفعول (ابْتَغَيْتَ) محذوف دل عليه قوله : (وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ) كما هو مقتضى المقابلة بقوله : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ) ، فإن العزل والإرجاء مؤداهما واحد.
والمعنى : فإن عزلت بالإرجاء إحداهن فليس العزل بواجب استمراره بل لك أن تعيدها إن ابتغيت العود إليها ، أي فليس هذا كتخيير الرجل زوجه فتختار نفسها المقتضي أنها تبين منه. ومتعلق الجناح محذوف دل عليه قوله : (ابْتَغَيْتَ) أي ابتغيت إيواءها فلا جناح عليك من إيوائها.
و (مَنْ) يجوز أن تكون شرطية وجملة (فَلا جُناحَ عَلَيْكَ) جواب الشرط. ويجوز أن تكون موصولة مبتدأ فإن الموصول يعامل معاملة الشرط في كلامهم بكثرة إذا قصد منه العموم فلذلك يقترن خبر الموصول العام بالفاء كثيرا كقوله تعالى : (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ