نسائه كلهن يسلّم عليهن ويسلمن عليه ويدعون له ، ثم إنهم قاموا فانطلقت فجئت فأخبرت النبي صلىاللهعليهوسلم أنهم قد انطلقوا فجاء حتى دخل فذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِ) إلى قوله : (مِنْ وَراءِ حِجابٍ).
وفي حديث آخر في الصحيح عن أنس أيضا أن عمر بن الخطاب رضياللهعنه قال له : «يا رسول الله يدخل عليك البرّ والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب» فأنزل الله آية الحجاب. وليس بين الخبرين تعارض لجواز أن يكون قول عمر كان قبل البناء بزينب بقليل ثم عقبته قصة وليمة زينب فنزلت الآية بإثرها.
وابتدئ شرع الحجاب بالنهي عن دخول بيوت النبي صلىاللهعليهوسلم إلا لطعام دعاهم إليه ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام له مجلس يجلس في المسجد فمن كان له مهمّ عنده يأتيه هنالك.
وليس ذكر الدعوة إلى طعام تقييدا لإباحة دخول بيوت النبي صلىاللهعليهوسلم لا يدخلها إلا المدعو إلى طعام ولكنه مثال للدعوة وتخصيص بالذكر كما جرى في القضية التي هي سبب النزول فيلحق به كل دعوة تكون من النبي صلىاللهعليهوسلم وكل إذن منه بالدخول إلى بيته لغير قصد أن يطعم معه كما كان يقع ذلك كثيرا. ومن ذلك قصة أبي هريرة حين استقرأ من عمر آية من القرآن وهو يطمع أن يدعوه عمر إلى الغداء ففتح عليه الآية ودخل فإذا رسول الله قائم على رأس أبي هريرة وقد عرف ما به فانطلق به إلى بيته وأمر له بعسّ من لبن ثم ثان ثم ثالث ، وإنما ذكر الطعام إدماجا لتبيين آدابه ، ولذلك ابتدئ بقوله : (غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) مع أنه لم يقع مثله في قصة سبب النزول.
وقرأ الجمهور بيوت بكسر الباء. وقرأه أبو عمرو وورش عن نافع وحفص عن عاصم وأبو جعفر بضم الباء ، وقد تقدم في سورة النساء وغيرها.
و (إِناهُ) بكسر الهمزة وبالقصر : إما مصدر أنى الشيء إذا حان ، يقال : أنى يأني ، قال تعالى : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) [الحديد : ١٦]. ومقلوبه : آن.
وهو بمعناه. والمعنى : غير منتظرين حضور الطعام ، أي غير سابقين إلى البيوت وقبل تهيئته.
والاستثناء في (إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) استثناء من عموم الأحوال التي يقتضيها الدخول المنهي عنه ، أي إلا حال أن يؤذن لكم.