في قلبه ، وليس بمتعين أن يكون لنزول هذه الآية سبب. فإن كان لها سبب فلا شك أنه قول بعض المنافقين لما يؤذن به قوله تعالى عقب هذه الآيات (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) [الأحزاب : ٦٠] الآية. وإنما شرعت الآية أن حكم أمومة أزواج النبيصلىاللهعليهوسلم للمؤمنين حكم دائم في حياة النبي عليه الصلاة والسلام أو من بعده ولذلك اقتصر هنا على التصريح بأنه حكم ثابت من بعد ، لأن ثبوت ذلك في حياته قد علم من قوله : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) [الأحزاب : ٦].
وإضافة البعدية إلى ضمير ذات النبي عليه الصلاة والسلام تعيّن أن المراد بعد حياته كما هو الشائع في استعمال مثل هذه الإضافة فليس المراد بعد عصمته من نحو الطلاق لأن طلاق النبي صلىاللهعليهوسلم أزواجه غير محتمل شرعا لقوله : (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ) [الأحزاب : ٥٢].
وأكد ظرف (بعد) بإدخال (مِنَ) الزائدة عليه ، ثم أكد عمومه بظرف (أَبَداً) ليعلم أن ذلك لا يتطرقه النسخ ثم زيد ذلك تأكيدا وتحذيرا بقوله : (إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً) ، فهو استئناف مؤكد لمضمون جملة (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ).
والإشارة إلى ما ذكر من إيذاء النبي صلىاللهعليهوسلم وتزوج أزواجه ، أي ذلكم المذكور.
والعظيم هنا في الإثم والجريمة بقرينة المقام.
وتقييد العظيم بكونه عند الله للتهويل والتخويف لأنه عظيم في الشناعة. وعلة كون تزوج أحد المسلمين إحدى نساء النبي صلىاللهعليهوسلم إثما عظيما عند الله ، أن الله جعل نساء النبي عليه الصلاة والسلام أمهات للمؤمنين فاقتضى ذلك أن تزوج أحد المسلمين إحداهن له حكم تزوج المرء أمّه ، وذلك إثم عظيم.
واعلم أنه لم يتبين هل التحريم الذي في الآية يختص بالنساء اللاتي بنى بهن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم أو هو يعم كل امرأة عقد عليها مثل الكندية التي استعاذت منه فقال لها :الحقي بأهلك ، فتزوجها الأشعث بن قيس في زمن عمر بن الخطاب. ومثل قتيلة بنت قيس الكلبية التي زوّجها أخوها الأشعث بن قيس من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم حملها معه إلى حضرموت فتوفي رسول الله قبل قفولهما فتزوجها عكرمة بن أبي جهل وأن أبا بكر همّ بعقابه فقال له عمر : إن رسول الله لم يدخل بها.
والمرويات في هذا الباب ضعيفة. والذي عندي أن البناء والعقد كانا يكونان مقترنين