الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ) النبي (إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) الآية.
والواو عاطفة جملة على جملة أو هي واو الاعتراض بين جملة (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً) وجملة (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَ) [الأحزاب : ٥٥].
ودلت جملة (ما كانَ لَكُمْ) على الحظر المؤكد لأن (ما كانَ لَكُمْ) نفي للاستحقاق الذي دلت عليه اللام ، وإقحام فعل (كانَ) لتأكيد انتفاء الإذن. وهذه الصيغة من صيغ شدة التحريم.
وتضمنت هذه الآية حكمين :
أحدهما : تحريم أن يؤذوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والأذى : قول يقال له ، أو فعل يعامل به ، من شأنه أن يغضبه أو يسوءه لذاته.
والأذى تقدم في أول هذه الآيات آنفا. والمعنى : أن أذى النبي عليه الصلاة والسلام محظور على المؤمنين. وانظر الباب الثالث من القسم الثاني من كتاب «الشفاء» لعياض.
والحكم الثاني : تحريم أزواج رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الناس بقوله تعالى : (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) وهو تقرير لحكم أمومة أزواجه للمؤمنين السالف في قوله : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) [الأحزاب : ٦].
وقد حكيت أقوال في سبب نزول هذه الآية : منها أن رجلا قال : لو مات محمد تزوجت عائشة ، أي قاله بمسمع ممن نقله عنه فقيل : هذا الرجل من المنافقين وهذا هو المظنون بقائل ذلك. وقيل : هو من المؤمنين ، أي خطر له ذلك في نفسه ، قاله القرطبي. وذكروا رواية عن ابن عباس وعن مقاتل أنه طلحة بن عبيد الله. وقال ابن عباس : كانت هفوة منه وتاب وكفّر بالحج ماشيا وبإعتاق رقاب كثيرة وحمل في سبيل الله على عشرة أفراس أو أبعرة. وقال ابن عطية : هذا عندي لا يصح على طلحة والله عاصمه من ذلك ، أي إن حمل على ظاهر صدور القول منه فأما إن كان خطر له ذلك في نفسه فذلك خاطر شيطاني أراد تطهير قلبه فيه بالكفارات التي أعطاها إن صح ذلك. وأقول : لا شك أنه من موضوعات الذين يطعنون في طلحة بن عبيد الله. وهذه الأخبار واهية الأسانيد ودلائل الوضع واضحة فإن طلحة إن كان قال ذلك بلسانه لم يكن ليخفى على الناس فكيف يتفرد بروايته من انفرد. وإن كان خطر ذلك في نفسه ولم يتكلم به فمن ذا الذي اطّلع على ما