ومن أجل هذا المعنى أبقيت له صيغة التسليم على الأحياء وهي الصيغة التي يتقدم فيها لفظ التسليم على المتعلّق به لأن التسليم على الأموات يكون بتقديم المجرور على لفظ السلام. وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم للذي سلم عليه فقال : عليك السلام يا رسول الله فقال له : «إن عليك السلام تحية الموتى ، فقل : السلام عليك».
والتسليم مشهور في أنه التحية بالسلام ، والسلام فيه بمعنى الأمان والسلامة ، وجعل تحية في الأولين عند اللقاء مبادأة بالتأمين من الاعتداء والثأر ونحو ذلك إذ كانوا إذ اتقوا أحدا توجّسوا خيفة أن يكون مضمرا شرا لملاقيه ، فكلاهما يدفع ذلك الخوف بالإخبار بأنه ملق على ملاقيه سلامة وأمنا. ثم شاع ذلك حتى صار هذا اللفظ دالا على الكرامة والتلطف ، قال النابغة :
أتاركة تدللها قطام |
|
وضنّا بالتحية والسلام |
ولذلك كان قوله تعالى : (وَسَلِّمُوا) غير مجمل ولا محتاج إلى بيان فلم يسأل عنه الصحابة النبي صلىاللهعليهوسلم وقالوا : هذا السلام قد عرفناه ، وقال لهم : والسلام كما قد علمتم ، أي كما قد علمتم من صيغة السلام بين المسلمين ومن ألفاظ التشهد في الصلاة.
وإذ قد كانت صيغة السلام معروفة كان المأمور به هو ما يماثل تلك الصيغة أعني أن نقول : السلام على النبي أو عليهالسلام ، وأن ليس ذلك بتوجه إلى الله تعالى بأن يسلم على النبي بخلاف التصلية لما علمت ممّا اقتضى ذلك فيها.
والآية تضمنت الأمر بشيئين : الصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم والتسليم عليه ، ولم تقتض جمعهما في كلام واحد وهما مفرقان في كلمات التشهد فالمسلم مخيّر بين أن يقرن بين الصلاة والتسليم بأن يقول : صلى الله على محمد والسلام عليه ، أو أن يقول : اللهم صل على محمد والسلام على محمد ، فيأتي في جانب التصلية بصيغة طلب ذلك من الله ، وفي جانب التسليم بصيغة إنشاء السلام بمنزلة التحية له ، وبين أن يفرد الصلاة ويفرد التسليم وهو ظاهر الحديث الذي رواه عياض في «الشفاء» أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : لقيت جبريل فقال لي : أبشرك أن الله يقول : من سلّم عليك سلمت عليه ومن صلّى عليك صلّيت عليه. وعن النووي أنه قال بكراهة إفراد الصلاة والتسليم ، وقال ابن حجر : لعله أراد خلاف الأولى. وفي الاعتذار والمعتذر عنه نظر إذ لا دليل على ذلك.
وأما أن يقال : اللهم سلم على محمد ، فليس بوارد فيه مسند صحيح ولا حسن عن